الحمد لله.
أولا:
من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، على هيئته ، وصفته المعروفة في السنة : فقد رآه حقا، فإن الشيطان لا يتمثل به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي رواه البخاري (6994) ، رواه مسلم (2266) واللفظ لمسلم .
وينظر: جواب السؤال رقم : (23367) ، ورقم : (47782) .
ثانيا:
الرؤيا الصالحة من المبشرات كما روى البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ .
وروى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه في الجنة، فهي بشرى عظيمة من الله تعالى، وأعظم من ذلك أن يخبره أنه معه في الجنة؛ فإن هذه أعظم منزلة في الجنة ؛ فليجتهد في بلوغها ، وليتعرف سبيلها من الطاعات ، ونوافل الأعمال ؛ فإن المنازل العالية لا تنال بالأماني ، بل بالجد والطاعة ، والصبر والمصابرة ، والمرابطة على سبل الخيرات .
ومن بشر بذلك، فليجتهد في العبادة، وليتوقّ المخالفات قدر استطاعته.
وفي "صحيح مسلم" (489) ، عن رَبِيعَة بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد صاحبه وخادمه ، الذي طلب منه دعاءه وشفاعته له ، أن يرافقه في الجنة ، أرشده إلى أن يستعين على ذلك المقصود العظيم بكثرة السجود ، لله ، وهو من أجل الطاعات لرب العالمين ؛ فأولى بذلك أن تستعين بها أنت ، وقد رزقت هذه البشرى في منامك .
ولتحذر من المخالفة والإحداث ، بعد ما جاءتك هذه البشرى . ومتى ألممت بشيء من ذلك ، فبادر بالدعاء والاستغفار والاستعتاب ، وليكن ذلك هجيراك كل يوم ، ألا تنام على مخالفة ، بل تكثر من التوبة والإنابة إلى رب العالمين ، وتستعين على ذلك المقصود العظيم بأسبابه ، من كثرة الدعاء ، والسجود ، ونوافل الطاعات ، وكفالة الأيتام ، ونحو ذلك ، من أسباب مرافقة الحبيب في جنة الرضوان .
والأولياء والصديقون لا يصرون على الذنب، بل يتوبون ويستغفرون كما قال الله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف/202
قال الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: (إن الذين اتقوا) ، اللهَ من خلقه، فخافوا عقابه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) يقول: إذا ألمَّ بهم لَمَمٌ من الشيطان، من غضب أو غيره مما يصدّ عن واجب حق الله عليهم، تذكروا عقاب الله وثوابه، ووعده ووعيده، وأبصروا الحق فعملوا به، وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم، وتركوا فيه طاعة الشيطان" انتهى من "تفسير الطبري" (13/ 333).
والصحابة الذين بشروا بالجنة من النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة لم يكونوا معصومين، لكنهم كانوا مشفقين ، وجلين ، قلوبهم معلقة بالخواتيم ، وما فيها ، مما يعلمه رب العالمين .
نسأل الله تعالى أن يثبتك على الطاعة، وأن يحقق لك بشراك، وأن نكون وإياك مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
والله أعلم.