الحمد لله.
لا يجوز لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه، ما لم يترك أو يأذن؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ البخاري (5142) ، مسلم (1412).
فإن أجيب الخاطب الأول، لم تجز الخطبة على خطبته.
والمعتبر في الإجابة إن كانت المخطوبة بكرا: قول وليها. وهذا مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 629): " (والتعويل في رد وإجابة) الخطبة (على ولي مجبِر) وهو الأب، أو وصيه في النكاح، إن كانت الزوجة حرة بكرا، وكذا سيد أمة، بكرا وثيبا، فلا أثر لإجابة المجبَرة، لأن وليها يملك تزويجها بغير اختيارها...
(وإلا) تكن مجبرة، كحرة ثيب عاقلة تم لها تسع سنين: (فـ) التعويل في ردٍّ، وإجابة: (عليها)؛ أي المخطوبة، دون وليها؛ لأنها أحق بنفسها ، فكان الأمر أمرها.
وقد جاء عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر رواه البخاري مختصرا مرسلا.
وعن أم سلمة أنه لما مات أبو سلمة أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبني ، وأجبته رواه مسلم مختصرا" انتهى.
وينظر: "شرح الزرقاني على خليل" (3/ 293)، "روضة الطالبين" (7/ 31).
لكن إن كرهت المرأة البكر الخاطب، وصرحت بالرفض، وعيّنت كفؤا رضيت به، سقط جواب وليها، عند الحنابلة، وجاز لمن عينته المرأة أن يتقدم لخطبتها.
وفي "كشاف القناع" (5/ 20): " (لكن لو كرهت) المجبرة (المجابَ ، واختارت) كفؤا (غيره ، وعينته : سقط حكم إجابة وليها ؛ لأن اختيارها) إذا تم لها تسع سنين (يقدم على اختياره)" انتهى.
وفي "شرح منتهى الإرادات" (2/ 629): " لكن إن كرهت من أجابه وليها، وعينت غيره: سقط حكم إجابة وليها، لتقديم اختيارها عليه." انتهى.
وينظر: "مطالب أولي النهى" (5/ 25).
وكذا لو صرحت بالرفض، ولم تختر خاطبا آخر، سقط جواب وليها عند بعض الحنابلة.
قال في "المغني" (7/ 145): " ولو أجاب الولي في حق المجبرة، فكرهت المجاب، واختارت غيره، سقط حكم إجابة وليها، لكون اختيارها مقدما على اختياره.
وإن كرهته، ولم تجز سواه، فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا؛ لأنه قد أُمر باستئمارها، فلا ينبغي له أن يُكرهها على من لا ترضاه.
وإن أجابته، ثم رجعت عن الإجابة وسخطته، زال حكم الإجابة؛ لأن لها الرجوع.
وكذلك: إذا رجع الولي المجبِر عن الإجابة، زال حكمها؛ لأن له النظر في أمر موليته، ما لم يقع العقد" انتهى.
فعلى هذا القول، إذا علمتَ أنها ترفض الخاطب، وأنها مجبرة على قبوله، ولم يكن سبب رفضها: طلبك خطبتها، بعد أن ركنت؛ فلا حرج عليك في التقدم لوليها لخطبتها.
والمرجح عندنا: أن البكر البالغ لا يُجبرها وليها، وهو مذهب الحنفية، فلها أن ترفع الأمر للقضاء للتخلص من زواج من لا ترغب فيه.
والأصل في ذلك: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ.
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ إِذْنُهَا؟
قَالَ: إِذَا سَكَتَتْ رواه البخاري (6968) ، ومسلم (1419).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالولي مأمور من جهة الثيب، ومستأذِن للبكر. فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح: فهذا مخالف للأصول والعقول .
والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده. فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ومعاشرة من تكره معاشرته؟!
والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه. فأي مودة ورحمة في ذلك؟ " انتهى من"مجموع الفتاوى" (32 / 25).
والله أعلم.