الحمد لله.
أولا:
الطهارة من الخبث شرط لصحة الطواف عند الجمهور. وقال الحنفية وأحمد في رواية: إن ذلك واجب وليس شرطا.
قال النووي رحمه الله : " فرع في مذاهب العلماء في الطهارة في الطواف: قد ذكرنا أن مذهبنا اشتراط الطهارة عن الحدث والنجس، وبه قال مالك وحكاه الماوردي عن جمهور العلماء، وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث عن عامة العلماء.
وانفرد أبو حنيفة فقال: الطهارة من الحدث والنجس ليست بشرط للطواف، فلو طاف وعليه نجاسة، أو محدثا، أو جنبا: صح طوافه.
واختلف أصحابه في كون الطهارة واجبة، مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط، فمن أوجبها منهم قال: إن طاف محدثا لزمه شاة، وإن طاف جنبا لزمه بدنة، قالوا ويعيده ما دام بمكة.
وعن أحمد روايتان: (إحداهما) : كمذهبنا . (والثانية) : إن أقام بمكة ، أعاده . وإن رجع إلى بلده، جبره بدم.
وقال داود: الطهارة للطواف واجبة فإن طاف محدثا أجزأه إلا الحائض" انتهى من "المجموع"(8/ 17).
وفي "الموسوعة الفقهية"(29/ 130): "ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى: أن الطهارة من الأحداث ومن الأنجاس شرط لصحة الطواف، فإذا طاف فاقدا أحدها، فطوافه باطل لا يعتد به. وقال الحنفية: الطهارة من الحدث ومن الخبث واجب للطواف، وهو رواية عن أحمد. وإن كان أكثر الحنفية على أن الطهارة من النجاسة الحقيقية: سنة مؤكدة.
استدل الجمهور بحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة، فأقلوا من الكلام) .
وإذا كان صلاة ، والصلاة لا تجوز بدون الطهارة من الأحداث، فكذلك الطواف لا بد فيه من الطهارة.
واستدل الحنفية بقوله تعالى: وليطوفوا بالبيت العتيق.
ووجه الاستدلال بها: أن الأمر بالطواف مطلق، لم يقيده الشارع بشرط الطهارة، وهذا نص قطعي، والحديث خبر آحاد، ويفيد غلبة الظن؛ فلا يقيد نص القرآن، لأنه دون رتبته، فحملنا الحديث على الوجوب وعملنا به" انتهى.
ويدخل في الطهارة من الخبث: عدم حمل النجاسة، أو حمل طفل عليه نجاسة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا حمل في الصلاة حيوانا طاهرا، أو صبيا، لم تبطل صلاته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة ابنة أبي العاص. متفق عليه.
وركب الحسن والحسين على ظهره وهو ساجد.
ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدته، فهي كالنجاسة في معدة المصلي.
ولو حمل قارورة فيها نجاسة مسدودة، لم تصح صلاته.
وقال بعض أصحاب الشافعي: لا تفسد صلاته ؛ لأن النجاسة لا تخرج منها، فهي كالحيوان. وليس بصحيح ؛ لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها، فأشبه ما لو حملها في كمه." انتهى، من "المغني" (1/403).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (136524) .
ثانيا:
حمل الرضيع أثناء الطواف، فيه تفصيل:
1-أن يُحمل مع العلم بوجود نجاسة في حفاظته، ففيه الخلاف السابق، فالجمهور على عدم صحة الطواف. والحنفية على الصحة مع الإثم.
ورخص جماعة من العلماء المعاصرين في حمل الطفل، ولو كان به نجاسة، إذا لم تصب الطائف في بدنه أو ثوب إحرامه، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
وهذا القول موافق لما نقله ابن قدامة عن بعض الشافعية، بل نقله الإمام العمراني ، وغيره : وجها في المذهب. ينظر: "البيان في شرح المهذب" (1/448).
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " في كثير من الأحيان نذهب لأداء العمرة في بيت الله الحرام، وأثناء الطواف أحمل معي ابنتي الصغيرة البالغة من العمر سنة ونصف، وتكون مرتدية حفاظة، وقد سمعت أن الطواف على هذه الحالة لا يجوز، حيث إن الحفاظ يكون قد أصابه البول غالبا، ونظرا لصغر سنها فلا أستطيع أن أتركها في أي مكان، وكذلك في بعض الأحيان تضطر الأم إلى حمل طفلها الرضيع أثناء الصلاة، ويكون أيضا مرتديا حفاظة، ومن الممكن أن يكون قد أصابها البول، فنريد أن نعرف من فضيلتكم الحكم في ذلك؟ أفيدونا وجزاكم الله خيرا.
ج: يجوز للطائف حمل الطفل، ولو كان عليه حفاظة، إذا لم يصب بدن الطائف وملابسه شيء من النجاسة، وهكذا الصلاة به.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/ 236) المجموعة الثانية.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " ما حكم حمل الطفل أثناء الصلاة أو الطواف وهو لابس حفاظة وفيها نجاسة لكنها لم تتعد إلى الملابس الخارجية؟ وجزاكم الله خيرا.
ج: النبي صلى بأمامة بنت زينب، وهو يصلي بالناس عليه الصلاة والسلام، فإذا حمل الطفل في الصلاة عند الحاجة، أو في الطواف: لا حرج، والطفل قد لا يسلم من خروج شيء منه، فإذا لم يكن شيئا ظاهرا، ومحفظ : فلا بأس، والحمد لله" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (7/ 315).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " كثير من الناس أو الرجال يحملون أطفالهم وهم يطوفون والطفل في الغالب يكون نجسًا فهل يكون طواف حامله صحيحاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم ؛ يكون صحيحاً ، ولا حرج في ذلك" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 367).
2-أن يكون الطفل نظيفا عند بدء الطواف، مع احتمال أن يتنجس أثناءه، فيجوز حمله في الطواف-أو الصلاة- لأن الأصل الجواز، وعملا بحديث أمامة، فإن وجدت به نجاسة بعد الفراغ من الطواف، فالجمهور على صحة الصلاة والطواف؛ لجهل الطائف بوجودها.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/163): "مذاهب العلماء فيمن صلى بنجاسة نسيها، أو جهلها : ذكرنا أن الأصح في مذهبنا: وجوب الإعادة، وبه قال أبو قلابة وأحمد.
وقال جمهور العلماء : لا إعادة عليه، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول، وهو مذهب ربيعة ومالك ، وهو قوي في الدليل، وهو المختار " انتهى .
وعليه ؛ فمن أراد الطواف حاملا طفلا أو رضيعا: فعليه أن يتأكد من طهارته من النجاسة قبل الشروع في الطواف، ولا يضره لو خرج شيء منه بعد ذلك.
فإن علم بوجود النجاسة قبل الطواف، وشق عليه إزالتها، فله الطواف به، تقليدا لمن رخص في ذلك من أهل العلم.
والله أعلم.