الحمد لله.
يحرم اللعب بالنرد، فإن كان على مال فهو قمار، وإن خلا من المال فهو محرم أيضا في قول جمهور الفقهاء؛ لعموم الحديث الوارد في ذلك ؛ ولكونه مما يلهي ويصد عن ذكر الله، ولشبهه بالأزلام ، في الاعتماد على ما يخرج منه.
روى مسلم (2260) عن بُرَيْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (15/ 15): "قال العلماء : النردشير : هو النرد ، فالنرد عجمي معرب. وشير معناه حلو.
وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وما خلا من القمار، وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين، ولا من أحدهما، فمنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح .
فأما المحرم : فاللعب بالنرد. وهذا قول أبي حنيفة، وأكثر أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم: هو مكروه، غير محرم.
ولنا : ما روى أبو موسى، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لعب بالنردشير، فقد عصى الله ورسوله) . وروى بريدة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه) . رواهما أبو داود. وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب النردشير، لم يسلم عليهم.
إذا ثبت هذا، فمن تكرر منه اللعب به، لم تقبل شهادته، سواء لعب به قمارا ، أو غير قمار. وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، وظاهر مذهب الشافعي" انتهى من "المغني" (10/ 150).
وفي علة تحريم النرد يقول ابن القيم رحمه الله: "وسرُّ المسألة وفقهها: أن الله سبحانه لمَّا حرَّم الميسر؛ هل هو لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمِّنة لأكل المال بالباطل؟
فعلى هذا، إذا خلا عن العِوَض لم يكن حرامًا.
فلهذا طَرد مَنْ طَرد ذلك هذا الأصل، وقال: إذا خَلا النَّرْد والشطرنج عن العِوَض، لم يكونا حرامًا.
ولكن هذا القول خلاف النصِّ والقياسِ كما سنذكره.
أو حرَّمه ، لما يشتمل عليه في نفسه من المفسدة، وإنْ خلا عن العِوَض. فتحريمه من جنس تحريم الخمر؛ فإنه يوقع العداوة والبغضاء، ويصدُّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، وأكل المال فيه عونٌ وذريعةٌ إلى الإقبال عليه، واشتغال النفوس به؟
فإنَّ الداعي حينئذٍ يَقْوَى من وجهين: من جهة المغالبة، ومن جهة أكل المال، فيكون حرامًا من الوجهين.
وهذا المأخذُ أصحُّ ، نصًّا وقياسًا ، وأصول الشريعة وتصرُّفاتها تَشْهَدُ له بالاعْتِبَار؛ فإن الله سبحانه قال في كتابه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ المائدة/90 - 92 .
فَقَرَنَ المَيْسِرَ بالأنصابِ والأزلامِ والخمر، وأخْبرَ أن الأربعةَ رجسٌ، وأنها من عمل الشيطان، ثم أمر باجتنابها، وعلَّق الفلاحَ باجتنابها، ثمَّ نبَّه على وجوهِ المفسدةِ المقتضيةِ للتَّحريم فيها، وهي ما يُوْقِعُهُ الشيطان بين أهلِها من العداوةِ والبغضاءِ ، ومن الصَّدِّ عن ذكر الله، وعن الصلاة.
وكل أَحَدٍ يعلم أن هذه المفاسدَ ناشئةٌ من نفسِ العمل، لا من مجرَّد أكل المال به. فتعليل التحريم بأنه متضمِّن لأكل المال بالباطل؛ تعليلٌ بغير الوصف المذكور في النَّصِّ، وإلغاءُ للوصف الذي نبَّه النصُّ عليه، وأرشد إليه، وهذا فاسدٌ من الوجهين." انتهى من "الفروسية" ص245
وقال في عون المعبود (13/ 193): "(من لعب بالنرد إلخ) فاللعب به حرام.
قال العزيزي: لأن التعويل فيه على ما يخرجه الكعبان أي الحصا ونحوه فهو كالأزلام" انتهى.
وعليه :
فالذي يظهر تحريم اللعب بالنرد مطلقا، ولو كانت في لعبة يراد منها التعلم ، أو التعريف بالإسلام ، والوسائل التعليمية ، والعروض الإلكترونية : كثيرة متاحة ، يمكنك أن تستعين بها على تسهيل المعرفة ، بدلا من هذه اللعبة المحرمة .
والله أعلم.