ورد أن الدعاء والتوسل إلى الله بالعمل الصالح الخالص هو من مواضع إجابة الدعاء ، فسؤالي : إذا دعى الإنسان ربه بعمل صالح له ، فهل يكون قد استوفى أجره في الدنيا ، ولا يثاب عليه يوم القيامة ؟ وكذلك هل من الممكن الدعاء بنفس العمل أكثر من مرة ؟
الحمد لله.
أولا:
التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح مستحب، وهو من مظنة الإجابة كما في قصة أصحاب الغار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما التوسل والتوجه إلى الله وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أمر بها، كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم، فهذا مما لا نزاع فيه، بل هذا من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ المائدة/35 ، وقوله سبحانه أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ الإسراء/57 .
فإن ابتغاء الوسيلة إليه، هو: طلب ما يتوسل به، أي يتوصل ويتقرب به إليه سبحانه، سواء كان على وجه العبادة والطاعة وامتثال الأمر، أو كان على وجه السؤال له، والاستعاذة به، رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 312).
ثانيا:
التوسل إلى الله بالعمل الصالح لا ينقص أجر هذا العمل، سواء كان التوسل لتحصيل أمر دنيوي أو أخروي؛ لأنه عمل صالح ، فُعل على وجه القربة ، ولم يُرد به -ابتداء- شيء من الدنيا.
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: " هل التوسل إلى الله بالعمل الصالح ينقص من أجرها في الآخرة؟
فأجاب: التوسل بالأعمال الصالحة، أي التوسل بها في الدعاء، لا ينقص من ثوابها في الآخرة، فإن الله جعل الأعمال الصالحة سبباً لسعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى : ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا [الطلاق:4]. وقال تعالى: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجراً [الطلاق:5]. وقال تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب [الطلاق:2-3].
ومن جوامع الدعاء : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وقال سبحانه وتعالى في خليله إبراهيم : وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [العنكبوت:27].
ولكن على المسلم ، أن يعمل الصالحات طلباً لثواب الآخرة ؛ فإنه المطلب الأعظم، مع رجاء ما وعد الله به العاملين للصالحات، من تيسير الأمور، وسعة الرزق .
ولا يجوز أن يكون هم الإنسان ومقصده من الأعمال الصالحة منافع الدنيا فقط ، دون التفات لثواب الآخرة، فإن الله ذم الذين يقولون "ربنا آتنا في الدنيا" ، فقال تعالى : فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق [البقرة:200].
وقال تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً [الإسراء:18-19].
وبيّن تعالى أنه يريد منهم أن يريدوا الآخرة، قال تعالى : تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة [الأنفال:67]. وقال تعالى: من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً [النساء:134]. والله أعلم" انتهى من "فتاوى الإسلام اليوم"
وأما من عمل الصالحات وهو يريد بها الدنيا ابتداء، أو يريد أن يعود فيتوسل بها لتحصيل أمر من الدنيا، فالظاهر أن مثل هذا ينقص أجره ، بقدر ما زاحم ثواب الآخرة ، بطلب الدنيا ومقاصدها .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (228454 ) ، ورقم : (224589 ) .
ثالثا:
لا حرج في التوسل إلى الله تعالى بالعمل الواحد أكثر من مرة، فهو دعاء مشروع، وتقرب إلى الله، وامتثال لقوله: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة/35 .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك.
والله أعلم.