ما حكم قول يا رب بحق هذا الأذان أن ...... ، أو بحق هذا الشهر الفضيل ، شهر رمضان ، أو بحق هذه الأيام الفضيلة عندك أيام العشر ؟
الحمد لله.
أولا:
التوسل المشروع في الدعاء: التوسل بأسماء الله وصفاته وأفعاله، كأن يقول: اللهم إنك أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، أو اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أو أسألك بإحسانك وجودك وإنعامك.
وكذلك التوسل بالعمل الصالح الذي يعمله العبد نفسه، كقوله: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ آل عمران/193، أو قوله: أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، أو أسألك بحبي لك أو حبي لنبيك صلى الله عليه وسلم.
وأما التوسل بذوات المخلوقين كقوله : أسألك بمحمد أو بالكعبة أو بجاه محمد ، فهذا توسل مبتدع غير مشروع؛ لأن الدعاء عبادة والأصل فيها التوقيف، ولم يرد دليل على مشروعية التوسل بالذوات مهما كانت شريفة عظيمة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (3297) ، ورقم : (220340) .
ثانيا:
التوسل بحق شيء من المخلوقات فيه نظر، فإن أريد به التوسل بنفس المخلوق لكرامته ومنزلته، فهذا ممنوع.
وإن أريد به معنى يعود إلى أفعال الله تعالى، فهو مشروع، إذا ثبت أن لهذا المخلوق حقا.
ومن ذلك حديث: أسألك بحق السائلين على فرض صحته، فحقهم: هو إجابة الله لهم، والإجابة من فعله تعالى، فيجوز التوسل بذلك .
والحديث رواه أحمد (11156) وابن ماجه (778) عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا، وَلَا بَطَرًا، وَلَا رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ، سُخْطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ .
قال في الزوائد: هذا إسناده مسلسل بالضعفاء. عطية وهو العوفي، وفضيل بن مرزوق، والفضل بن الموفق: كلهم ضعفاء.
فعلى فرض صحته، يجوز التوسل بذلك لتحقق أمرين:
الأول: ثبوت هذا الحق، وهو إجابة السائلين، كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ البقرة/186 .
والثاني: أنه توسل بفعل الله تعالى وهو الإجابة.
وفي توجيه حديث: أسألك بحق السائلين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما السؤال عن قول الخارج إلى الصلاة اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك فهذا ليس فيه دليل على السؤال بالمخلوقين كما قد توهمه بعض الناس فاستدل به على جواز التوسل بذوات الأنبياء والصالحين، وإنما هو سؤال الله تعالى بما أوجبه على نفسه فضلاً وكرماً لأنه يجيب سؤال السائلين إذا سألوه كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ونظيره قوله وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وقوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وقوله: كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ هذا معنى ما ذكر العلماء في الحديث الوارد في ذلك إن صح وإلا فهو ضعيف، وعلى تقدير صحته فهو من باب السؤال بصفات الله لا من السؤال بذات المخلوقين والله أعلم" انتهى من مجموعة الرسائل والمسائل ص76
وقال رحمه الله: " ومن هذا الباب: الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك. أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . وهذا الحديث في إسناده عطية العوفي وفيه ضعف فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو من هذا الباب لوجهين:
(أحدهما) لأن فيه السؤال لله تعالى بحق السائلين وبحق الماشين في طاعته، وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثيبهم، وهذا حق أوجبه الله تعالى، وليس للمخلوق أن يوجب على الخالق تعالى شيئا. ومنه قوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين وقوله تعالى: وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ... وإذا كان حق السائلين والعابدين له هو الإجابة والإثابة بذلك، فذاك سؤال لله بأفعاله؛ كالاستعاذة بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله كالسؤال بإثابته التي هي فعله... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 339).
ثالثا:
قول الإنسان: أسألك بحق الأذان، أو بحق الأيام الفضيلة، أو بحق رمضان، أو بحق العشر، أو بحق يوم الجمعة، هو من هذا القبيل:
فإن أراد الداعي معنى يعود إلى أفعال الله تعالى: جاز، لأن هذه الأشياء لها حق يستفاد من النصوص. كأن يكون مراده بـ"حق يوم الجمعة" ، أو "حق شهر رمضان"، أو نحو ذلك: فعل الله ، الذي هو ما جعله لهذا الوقت المعين من حرمة وفضل ، أو ما شرعه لعباده من تعظيم هذا الوقت المعين، أو نحو ذلك مما يعود إلى فعل الله تعالى الشرعي، أو الكوني القدري.
وإن أراد التوسل بنفس الأيام والأزمنة والأفعال المخلوقة لشرفها وكرامتها، لم يجز.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (191771) .
ومن إرادة أفعال الله، أن يقصد بقوله: أسألك بحق رمضان، أي بقبولك الأعمال فيه، وبإثابتك للصائمين، وهكذا.
ولكن هذا القصد لا يستحضره كثير من الداعين بهذه الألفاظ، فالصواب أن يقال: الأصل أنه لا يجوز الدعاء بهذه الأدعية، وأنه يمنع نشرها؛ لأنها من التوسل بالمخلوقات، إلا أن يقصد الداعي معنى يعود إلى فعل لله تعالى، مع أنه لا حاجة إلى ذلك، وفيه تكلف، وفي الأدعية المشروعة كفاية.
والحاصل : أن الأصل هو منع الدعاء بهذه الأدعية ، لما يحتمله الدعاء بها من معنى باطل ممنوع ، وبعد المعنى الصحيح عن أذهان أكثر القائلين له ، والداعين به .
لكن من قصد بها التوسل بفعل الله تعالى، فلا بأس به .
وبكل حال، ففي الأدعية الثابتة غنية وكفاية من تكلف غيرها .
والله أعلم.