الحمد لله.
أولًا :
حفظ اللسان من أعظم الأعمال المقربة من الله . يقول ابن القيم:
" وأما اللفظات، فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه.
فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؛ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها.
وإن كان فيها ربح نظر: هل يفوته بها كلمة هي أربح منها، فلا يضيعها بهذه.
... ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب! وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول! .
... وفي اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت. وقد يكون كل منهما أعظم إثما من الأخرى في وقتها.
فالساكت عن الحق: شيطان أخرس، عاص لله، مراء مداهن، إذا لم يخف على نفسه.
والمتكلم بالباطل: شيطان ناطق، عاص لله.
وأكثر الخلق منحرف في كلامه، وسكوته، فهم بين هذين النوعين.
وأهل الوسط -وهم أهل الصراط المستقيم- كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة. فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلا عن أن تضره في آخرته.
وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها؛ ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به "، انتهى من "الداء والدواء" (363 - 375) ، بتصرف .
ثانيًا :
هذه الكلمة "يسعد دينك" يستخدمها الناس في الكلام الدارج ، والظاهر أنها من باب الدعاء للإنسان نفسه بالسعادة ، كأن يكون الدين مصدرًا لسعادته ، أو يكون الدعاء بالسعادة له هو ، وجاء القائل بلفظ الدين : تحقيقا، وصلة في الكلام .
وهذا دعاء مشروع بالخير للمسلم ، لا حرج فيه .
وقد يكون الداعي إنما قصد الدعاء لنفس الدين الذي يتدين الشخص به ؛ فإن كان المراد كذلك، وكان الشخص مسلما ، فهذا دعاء مشروع ، لا حرج فيه ، بل هو مطلوب ، ومعنى سعادة الدين هنا فيها يظهر : نصرته ، وقوته ، وارتفاع أمره .
والله أعلم .