الحمد لله.
أولا:
السفيه من لا يحسن التصرف في المال.
قال في "جواهر الإكليل" (1/ 161): "السفيه: البالغ العاقل الذي لا يحسن التصرف في المال فهو خلاف الرشيد" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (16/ 100): " خفة تبعث الإنسان على العمل في ماله، بخلاف مقتضى العقل والشرع مع قيام العقل حقيقة" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السفيه: وهو الذي لا يحسن التصرف في المال، فهو بالغ عاقل لكن لا يحسن التصرف في المال، فيذهب يشتري به ما لا نفع فيه ولا فائدة" انتهى من "الشرح الممتع" (9/ 291).
ثانيا:
السفيه إذا بلغ سفيها لم يصح تصرفه، من هبة وغيرها.
وإذا رشد، ثم أصابه السفه، صح تصرفه قبل الحجر عليه.
قال في "مغني المحتاج" (3/ 140): "وتصرفه قبل الحجر عليه: صحيح.
والمشهور: أن هذا هو السفيه المهمل.
ويطلق أيضا على من بلغ غير رشيد، وهذا لا يصح تصرفه، فالخلاف في التسمية فقط" انتهى.
وفي "تحفة المحتاج" (5/ 170): "فإن لم يحجر عليه القاضي: أثم [أي القاضي] ، ونفذ تصرفه ويسمى السفيه المهمل.
ولهم سفيه مهمل، لا يصح تصرفه ؛ وهو من بلغ مستمر السفه ، ولم يحجر عليه وليه" انتهى.
والنوع الثاني: وهو من رشَد ثم سفِه؛ لا يحجر عليه إلا الحاكم، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (25/ 53).
وعليه:
فإن كان قريبك سفيها حقا، فينظر: إن كان بلغ كذلك، فتصرفه غير نافذ إلا بإذن وليه، ويلزمك رد ما أعطاك، إن لم يأذن وليه في ذلك.
قال في "كشاف القناع" (4/ 299): " (ويعتبر) في الهبة (أن تكون من جائز التصرف) فلا تصح من صغير، ولا سفيه، ولا عبد، ونحوهم كسائر التصرفات" انتهى.
وقال في (3/ 442): " (المحجور عليه لِحَظِّه) أي حظ المحجور نفسه ، (وهو الصبي) ؛ أي من لم يبلغ من ذكر أو أنثى.
(والمجنون والسفيه) لأن فائدة الحجر عائدة عليهم ، كما سبق ، والحجر عليهم عام ، بخلاف المفلس ونحوه .
(فلا يصح تصرفهم) : أي الصبي والمجنون والسفيه (في أموالهم ، ولا ذممهم قبل الإذن) ؛ لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع مالهم ، وفيه ضرر عليه" انتهى.
وإن بلغ راشدا، ثم أصابه السفه ولم يُحجر عليه، فتصرفه صحيح، ولا شيء عليك.
وننبه إلى أن قريبك قد يكون كريما سمحا، يؤثر غيره على نفسه، وليس سفيها يضيع المال.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " السفيه يكون خفيف العقل بالتصرف في ماله، من جهة الأخذ، ومن جهة الإعطاء.
ويحكم بكون الإنسان سفيهاً من جهتين:
- إما من جهة المال نفسه إذا باع واشترى.
- وإما من جهة الاستمتاع بالمال، فهناك جانبان يحكم بهما على كون الإنسان سفيهاً.
وقالوا: يكون سفيهاً إذا باع بأقل من الثمن الذي يباع به الشيء، أو إذا اشترى بأكثر من الثمن الذي يباع به الشيء.
وهذا النوع من السفهاء يعرفه العلماء بقولهم: هو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه، ولا الإعطاء لغيره.
لا يحسن الأخذ لنفسه: أن يشتري بأكثر مما تستحقه السلعة، ولا يحسن الإعطاء لغيره: أن يبيع بأقل مما تستحق السلعة.
مثال ذلك: أن تكون عنده سيارة قيمتها عشرة آلاف، ويعلم أن قيمتها عشرة آلاف، فإذا جاء يبيعها جاءه رجل وقال له: بعنيها بتسعة آلاف أو بثمانية آلاف، فيبيعها وهو غير مضطر.
لكن لو كان عنده ضرورة ، أو مقصد ؛ كأن يأتيه شخص يرى عليه آثار الضعف أو المسكنة ، فينوي الصدقة عليه ، فيقول: أبيعها بثمانية آلاف، والله يعلم في قرارة قلبه أنه لا يرضى إلا بالتسعة أو تسعة آلاف وخمسمائة ، وهي التي يمكن أن تباع بها السيارة، وإنما قصد التصدق بما بين القيمتين، فإن الله يأجره، وهذا ليس بسفه، هذا رشد الدين ، وهو الذي تكون فيه الدنيا تبعاً ، وليست بمقصد، فإذا كان مثل هذا فإنه مأجور.
وكذا لو أنه جاء يشتري شيئاً فقال له البائع: الشيء بعشرة، ويرى عليه آثار الضعف ، أو يراه محتاجاً أو عاملاً عند الغير فيعطيه عشرة، ويزيده ريالاً أو ريالين من باب الإحسان والإكرام والرفق به، فهذا ليس بسفه؛ لأنه عامل بالدنيا ، وانفكت الجهة في الآخرة، فالريالان اللذان دفعهما ، لم يكن مقصوده منهما المعاوضة ، وإنما قصد منهما الآخرة.
فهذا لا يدخل في السفه، إذ السفه شرطه ألا تكون هناك أسباب تقتضي الزيادة أو النقص، فإن وجدت الأسباب فلا، مثلاً: ابن عمي لو جاء يشتري مني سلعة قيمتها مائة، وبعتها بسبعين وأنا لا أقصد البيع حقيقة، وإنما قصدت أن أبيع بالسبعين، والعشرون أو الخمسة والعشرون التي هي فضل القيمة ، قصدت بها الصدقة على ابن العم أو صلة الرحم، أو أحببت أن مالي يذهب إلى قريبي ، فهذا يؤجر عليه الإنسان.
فمثل هذه الأحوال لا يحكم فيها بسفه الإنسان ، إنما السفيه هو الشخص الذي عنده تلاعب بالأموال وتساهل فيها.
- وكذلك النوع الثاني من السفه الذي يبذر لشهوة نفسه، كرجل يدمن السفر، ويكثر في هذه الأسفار من إنفاق المال في متع مباحة، أما إذا كانت محرمة ، فبالإجماع أنه سفيه ولا إشكال. لكن إذا كان في متع مباحة ، كأن يشتري الأشياء الفاضلة الزائدة عن حاجته، فيكون بإمكانه أن يشتري سيارة بخمسين ألفاً فيذهب ويشتري السيارة بمائة ألف، فالسيارة شهوة وفيها مصلحة، وصحيح أنها في بعض الأحيان تكون حاجة ، لكن الزيادة على الخمسين في قيمتها يعتبر سفهاً؛ لأنه تبذير للمال في الشهوة . وهو يحب المظاهر، فتجده يشتري ثوباً قيمته مائة، وبإمكانه أن يشتري ثوباً يستره بخمسين، فيأخذ ضعف الشيء، فمثل هذا يعتبر سفيهاً.
وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء -رحمهم الله- بقوله:
والسفه: التبذير للأموال * في شهوة ، ولذة حلال
فلما قال: في شهوة ولذة حلال؛ دل على أنه من باب أولى إذا كانت شهوته ولذته في حرام" انتهى من "شرح زاد المستقنع".
ثالثا:
في حال وجوب رد ما أعطاك، فإن ضاع، لزمك رد المثل، فإن لم يكن لما أخذت مثل، لزمك رد القيمة، أي قيمة ما أخذت في وقت الأخذ، والأولى: إعطاؤه شيء مقارب للمثل.
وهذه قاعدة عامة في الضمان.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والقاعدة عندنا في ضمان المُتلفات: (أن المثلي يضمن بمثله، والمتقوم يضمن بقيمته) لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إناء بإناء، وطعام بطعام في قصة معروفة، وهي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان عند إحدى زوجاته ـ رضي الله عنهن ـ فأرسلت الزوجة الأخرى خادمها بطعام في صحفة، فدخل الخادم بالطعام والصحفة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في منزل الضرَّة، فأصابتها الغيرة، فضربت بيد الخادم حتى سقطت الصحفة وانكسرت، فأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم طعام المرأة التي هو عندها ، وصحفتها ، وأعطاها الخادم، وقال: إناء بإناء، وطعام بطعام فهنا ضُمِن بالمثل؛ لأن هذا مثلي" انتهى.
وإذا وجد ما يقارب المثل، فهو أولى من الذهاب للقيمة.
قال ابن القيم رحمه الله: " الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس، بحسب الإمكان، مع مراعاة القيمة ...
وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة ، حتى في المكيل والموزون ؛ فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس، أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة؛ فهذا هو القياس، وموجب النصوص، وبالله التوفيق" انتهى من "إعلام الموقعين" (2/ 20).
فإذا كان الهاتف الذي أخذت جديدا، فإنك تبحث عن هاتف جديد مقارب له في الفئة، والمميزات كما ذكرت.
والله أعلم.