الحمد لله.
أولا:
الواجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية، وأما النفقة، فيعطي كل إنسان ما يحتاجه.
وعليه؛ فإذا كان ما يصرفه على ولده: المقصود به العطايا الزائدة على النفقة، فقد أحسن بإعطاء البنت نصف ما أعطاه للابن.
وإن كان ما يصرفه هو النفقة التي يحتاجها الابن، فليس له أن يعطي البنت شيئا، فإن أعطاها لزم أن يعطي الابن كذلك.
فيلزم التفريق بين العطية والنفقة.
ومن الخطأ ما يقوم به بعض الآباء إذا أنفقوا على بعض أولادهم في زواج أو غيره، أنهم يوصون بذلك لبقية الأبناء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز للإنسان أن يفضل بعض أبنائه على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطي الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " فإذا أعطى أحد أبنائه 100 درهم وجب عليه أن يعطي الآخرين مائة درهم ويعطي البنات 50 درهما، أو يرد الدراهم التي أعطاها لابنه الأول ويأخذها منه.
وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة.
أما النفقة الواجبة، فيعطي كلا منهم ما يستحق، فلو قدر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج، وزوجه ودفع له المهر، لأن الابن لا يستطيع دفع المهر: فإنه في هذه الحال لا يلزم أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى لهذا الذي احتاج إلى الزواج، ودفع له المهر لأن التزويج من النفقة.
وأود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلا؛ يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم، ويكون عنده أولاد آخرون صغار، فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين.
وهذا حرام لا يجوز؛ لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث، والوصية لوارث محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).
فإن قال أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله، فإننا نقول: إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت، فزوجهم مثلما زوجت إخوتهم. فإن لم يبلغوا فليس واجبا عليك أن تزوجهم" انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/30).
والأصل في وجوب العدل في العطية: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: " أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا) فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَارْجِعْهُ) أخرجه البخاري (2586)، ومسلم (1623).
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟) قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: (أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ).
نحلت: أي: أعطيت، من النِّحلة، وهي العطاء.
ثانيا:
إذا كان ما يصرفه الأب على الابن يراد به العطية، فإن وضع نصيب البنت في البنك باسم الأب، والقول بأنها تأخذه بعد موته، خطأ من وجوه:
1-أنه يجب تمليك المال لابنته، وتمكينها من التصرف فيه؛ لتتم العطية.
2-أن جعل ذلك بعد الموت، يعني أنه صار وصيةً، والوصية للوارث محرمة.
3-أن أخذ القروض من البنك الربوي محرم، وكذلك استثمار المال فيه.
فعلى الأب أن يملك المال لابنته إن أراد العدل في العطية.
وأما أخذ البنت من هذا المال بعد وفاة أبيها، فإن كان هذا المال حقا لها – حسب التفريق السابق بين النفقة والعطية – فلا حرج عليها أن تأخذه، لأن الواجب على الابن في هذه الحالة أن يرد ما أخذه إلى التركة، فإن لم يفعل، فلا حرج على البنت أن تأخذ حقها من التركة قبل قسمة الميراث، ويكون هذا بمنزلة الدين الذي كان لها على أبيها.
والله أعلم.