الحمد لله.
أولا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلاَ الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ رواه البخاري (1543) ومسلم (1177).
ذهب الحنفية إلى تفسير "الكعب" بأنه صدر القدم ووسطه، عند معقد الشراك.
وأما الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: فالكعب عندهم هو العظم الناتئ عند مفصل القدم مع الساق.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (2 / 153):
" من لم يجد النعلين: يقطع الخفين أسفل من الكعبين ويلبسهما، كما نص الحديث.
وهو قول المذاهب الثلاثة الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد...
وقد فسر الجمهور "الكعب"، الذي يقطع الخف أسفل منه : بأنهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
وفسره الحنفية بالمفصل الذي في وسط القدم، عند معقد الشراك. ووجهه أنه: " لما كان الكعب يطلق عليه ، وعلى الناتئ : حمل عليه احتياطا". " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وليقطعهما أسفل من الكعبين ) في رواية بن أبي ذئب الماضية في آخر كتاب العلم: ( حتى يكونا تحت الكعبين ).
والمراد كشف الكعبين في الإحرام ، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويؤيده ما روى بن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال: " إذا اضطر المحرم إلى الخفين ، خرق ظهورهما ، وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه " .
وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية: "الكعب" هنا : هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك.
وقيل: إن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة، وقيل إنه لا يثبت عن محمد ، وأن السبب في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة: المحرم إذا لم يجد النعلين ، حيث يقطع خفيه ، فأشار محمد بيده إلى موضع القطع. ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة.
وبهذا يُتعقب على من نقل عن أبي حنيفة ، كابن بطال ، أنه قال: إن الكعب هو الشاخص في ظهر القدم؛ فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن -على تقدير صحته عنه- أن يكون قول أبي حنيفة " انتهى من"فتح الباري" (3 / 403).
والصواب ما عليه جمهور أهل العلم ، وهو الذي عليه جماهير أهل اللغة.
قال الواحدي: " ولا يعرج على قول من يقول: إن "الكعب" في ظهر القدم، فإنه خارج من اللغة، والأخبار ، وإجماع الناس " انتهى من "البسيط" (7 / 285).
ثانيا:
السنة أن الحاج والمعتمر يحرم في رداء وإزار.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ رَجُلًا نَادَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْقَمِيصَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ، وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ... رواه الإمام أحمد في "المسند" (8 / 500)، وصححه محققو المسند، والشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (4 / 293).
فأما الرداء فهو القطعة التي تلبس على الجزء العلوي من الجسم، ولبسه بأن يوضع على الكتفين ويكون طرفاه على الصدر.
وأما الإزار فإنه يلفه على أسفل جسمه.
قال الزبيدي رحمه الله تعالى:
" والإِزار، بالكسر، معروف، وهو (المِلْحَفَةُ)، وفسّره بعض أهل الغريب بما يستر أسفل البدن، والرِّداء: ما يستر به أعلاه، وكلاهما غير مخيط، وقيل: الإِزار: مَا تحت العا،تق في وسطه الأَسفل، والرِّداء: ما على العاتق والظّهر، وقيل: الإِزار: ما يستر أسفل البدن ولا يكون مخيطا، والكلّ صحيح... " انتهى من "تاج العروس" (10 / 43).
ولا يشترط أن يكون لباس الإحرام أبيضَ ، لكن يستحب له ذلك ، وهو الذي جرى عليه عمل المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهما أفضل...
ويجوز أن يحرم في الأبيض وغيره من الألوان الجائزة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (26 / 109).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ويستحب أن يكونا نظيفين؛ إما جديدين، وإما غسيلين؛ لأننا أحببنا له التنظف في بدنه، فكذلك في ثيابه، كشاهد الجمعة.
والأولى أن يكونا أبيضين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( خير ثيابكم البياض، فألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم )" انتهى من "المغني" (5 / 77).
والله أعلم.