هناك لفظ شائع يدور هنا في منطقتنا وهو" يا دين ربي"، مثلا يقولون: يا دين ربي ماذا تفعل، أو يا دين ربي ما بك؟ فما حكمه ؟ هل هو كفر والعياذ بالله ؟ فأصبحت تراودني كثيرا في نفسي خصوصا عند رؤية الشخص الذي قالها، فمرة كانت تأتيني هذه العبارة في نفسي، وقلت بصوت منخفض يا دين، ثم تفكرت أنها ربما تكون كفرا، فلم أكمل العبارة ، فهل علي شيء هنا؟ وأرجو منحي بعض النصائح للتغلب على الوساوس في مسألة الكفر.
الحمد لله.
أولا:
قول هؤلاء الفساق والجهلة، في بلد السائل: يا دين ربي ماذا تفعل؟ أو يا دين ربي ما بك؟ : هذا كله كلام منكر؛ إذْ لا مدخل لهذه الجملة في السؤال عن الفعل أو عن الحال، والغالب أنها تقال في حال الغضب، على سبيل التسخط والجزع والضيق من الإنسان وفعله، لكن لا يظهر لنا أن قائلها يريد سب الدين أو بغضه، عياذا بالله.
فإن قصد بها سب الدين، أو قالها حنقا أو غضبا على الدين ، فهذا كفر وردة.
وبكل حال فالواجب البعد عنها، وتوقير الدين وتعظيمه، والحذر من كلمات التسخط، وقد روى البخاري (6478)، ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ .
ثانيا:
النصيحة هي الإعراض عن الوسوسة عموما، في باب الكفر، أو الطهارة أو غيرها، فلا يلتفت، ولا ينقّر، ولا يفتش، ولا يتعمق، فديننا يسر سمح، لا حرج فيه ولا تكلّف، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحج/78، وقال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة/185.
ومما يعين على ذلك: إحسان الظن بالناس، وحمل كلامهم على السلامة ما أمكن، والعلم بأن الخروج من الدين لابد فيه من استيفاء شروط وانتفاء موانع، وأن هذا مرده إلى أهل العلم.
ومن أعظم الوسائل: سؤال الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا.
وقد روى الترمذي (3548) عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العَافِيَةَ .
وروى أحمد (34)، والترمذي (3558) عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الأَوَّلِ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ وصححه الألباني، وشعيب الأرنؤوط.
وروى أحمد (1783)، والترمذي (3514) عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وصححه الألباني.
قال المباركفوري رحمه الله: " في أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية، بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئا يسأل الله به؛ دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية، ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام.
وقد تقدم تحقيق معنى العافية: أنها دفاع الله عن العبد، فالداعي بها قد سأل ربه دفاعه عن كل ما ينوبه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنزل عمه العباس منزلة أبيه، ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده، ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على مجرد الدعاء بالعافية: تحريك لهمم الراغبين على ملازمته، وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم سبحانه وتعالى، ويستدفعون به في كل ما يهمهم. ثم كمله صلى الله عليه وسلم بقوله: (سل الله العافية في الدنيا والآخرة)، فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عُدة لدفع كل ضر، وجلب كل خير، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا.
قال الجزري في عدة الحصن الحصين: لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى من نحوٍ من خمسين طريقا" انتهى من "تحفة الأحوذي" (9/ 348).
فنسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدين والدنيا.
والله أعلم.