أنا أضيع ساعدوني، كلمت مسيحيا، جلسنا نتكلم ساعتين في الكتاب مقدس، وأثبت له إنه محرف، وأنه ليس هناك إله يقتل ويموت لأجل خطيئة، فعرض علي نص حديث ، أنا لا أصدق أنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون بهذه الوحشية ، وهذا الحديث سبب لي قلقا كبيرا، فهل هذا الحديث صحيح ؟ وكيف يقول الرسول هذا الكلام أصلا ؟ ونص الحديث : عن جابر قال: " جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق، فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول الله ، إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: (اقطعوه)، فقطع، ثم جيء في الثالثة، فقال: (اقتلوه)، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: (اقطعوه)، قال: ثم أتى بعد الرابعة، فقال:(اقتلوه)، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: (اقطعوه) ثم أتى به الخامسة، قال: (اقتلوه)، قال: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه، فألقيناه في بئر". رواه أبو داود
الحمد لله.
أولا:
النقاش مع أصحاب الديانات والعقائد المخالفة : إنما يكون لأهل العلم الذي يمكنهم رد الشبه، ودحض الأباطيل، وأما من لم يبلغ ذلك، فينبغي أن لا يتعرض له، فربما ألقى نفسه في المهالك دون أن يشعر، وكان ضعفه سببا في تمسك محاوره بباطله.
وما دمت لا يمكنك البحث عن صحة الحديث وضعفه ، ولا عن توجيه أهل العلم به وتتكلم بكلام العوام من نحو قولك: "وحشية" ، فأنت لست أهلا لمحاورة غيرك، فدع ذلك الباب الذي ليس من شأنك ، وأقبل أنت على ما يعنيك، واطلب النجاة لنفسك، قبل أن تغرق، وتغرق غيرك؛ وتريث، واطلب العلم أولا، ودع النقاش لأهله.
ثانيا:
هذا الحديث رواه أبو داود (4410)، والنسائي (4978)، وهو حديث منكر لا يصح.
قال النسائي بعد روايته: "وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ" انتهى.
وعلى فرض صحة الحديث، فإن معناه: أن من سرق مرارا، فإنه تقطع يده اليمنى أولا، فإن عاد وسرق، قطعت رجله اليسرى، فإن عاد وسرق، قطعت يده اليسرى، فإن عاد وسرق، قطعت رجله اليمنى، فإن عاد وسرق، قتل.
وشراح الحديث يقولون: إن قوله صلى الله عليه وسلم : (اقتلوه) من معجزاته، لأنه علم أن مصيره القتل. هذا على فرض صحة الحديث.
قال السندي في حاشيته على النسائي (8/ 90): " فَقَالَ : اقْتُلُوهُ . سُبْحَانَ من أجْرى على لِسَانه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، مَا آل إِلَيْهِ عَاقِبَة أمره" انتهى.
ولم يأخذ جمهور الفقهاء بهذا الحديث لضعفه، ولأنه يحتمل أن هذا الرجل ارتد، ولهذا قتل، وألقي في البئر.
قال السندي: " وَالْفُقَهَاء على خِلَافه، فَقيل لَعَلَّه وجد مِنْهُ ارتدادا أوجب قَتله .
وَهَذَا الِاحْتِمَال أوفق بِمَا فِي حَدِيث جَابر : أَنهم جروه ، وألقوه فِي الْبِئْر ؛ إِذْ الْمُؤمن وان ارْتكب كَبِيرَة ، فَإِنَّهُ يقبر وَيصلى عَلَيْهِ ، لَا سِيمَا بعد إِقَامَة الْحَد وتطهيره .
وَأما الإهانة بِهَذَا الْوَجْه : فَلَا تلِيق بِحَال الْمُسلم" انتهى.
ثالثا:
اختلف الفقهاء فيمن سرق مرارا، فمنهم من قال: لا يقطع إلا مرتين، ثم يحبس، وهو قول الحنفية والحنابلة.
ومنهم من قال: كلما سرق قطع، ويحبس في الخامسة، وهو قول مالك والشافعي.
ومنهم من قال: يقتل في الخامسة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/ 124): " مسألة: قال: (فإن عاد، حبس، ولا يقطع غير يد ورجل) .
يعني: إذا عاد فسرق بعد قطع يده ورجله: لم يقطع منه شيء آخر، وحبس.
وبهذا قال علي - رضي الله عنه - والحسن، والشعبي، والنخعي، والزهري، وحماد، والثوري، وأصحاب الرأي.
وعن أحمد: أنه تقطع في الثالثة يده اليسرى، وفي الرابعة رجله اليمنى، وفي الخامسة يعزر ويحبس.
وروي عن أبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما -، أنهما قطعا يد أقطعِ اليد والرجل.
وهذا قول قتادة، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر.
وروي عن عثمان، وعمرو بن العاص، وعمر بن عبد العزيز: أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة، والرجل اليمنى في الرابعة، ويقتل في الخامسة...".
ثم ذكر دليل القول الأول فقال:
" ولنا: ما روى سعيد، حدثنا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، قال: حضرت علي بن أبي طالب، - رضي الله عنه - أتي برجل مقطوع اليد والرجل، قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين. قال قتلته إذاً، وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟ بأي شيء يغتسل من جنابته؟ بأي شيء يقوم على حاجته؟
فرده إلى السجن أياما، ثم أخرجه، فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل ما قال أول مرة، فجلده جلدا شديدا، ثم أرسله.
وروي عنه، أنه قال: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يبطش بها، ولا رجلا يمشي عليها. ولأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس، فلم يشرع في حد، كالقتل.
ولأنه لو جاز قطع اليدين، لقطعت اليسرى في المرة الثانية؛ لأنها آلة البطش، كاليمنى، وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها؛ لأن ذلك بمنزلة الإهلاك؛ فإنه لا يمكنه أن يتوضأ، ولا يغتسل، ولا يستنجي، ولا يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عنه، ولا يدفع عن نفسه، ولا يأكل، ولا يبطش، وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة، فوجب أن يمنع قطعها، كما منعه في المرة الثانية.
وأما حديث جابر، ففي حق شخص استحق القتل، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به في أول مرة، وفي كل مرة، وفعل ذلك في الخامسة.
ورواه النسائي، وقال: حديث منكر" انتهى.
فالمذاهب الأربعة لم تأخذ بحديث جابر في قتل السارق في الخامسة.
رابعا:
تأمل في جريمة هذا السارق وإصراره على السرقة ، وكان يكفيه رادعا أن قطعت يده، ثم رجله، ثم يده، ثم رجله، فأي خير في حياة هذا المُفسد المنتهك للحرمات، المتسلط على أموال الناس، الذي لم يردعه قطع اليد والرجل؛ فلو صح الحديث لكان قتله عقوبة مناسبة لشدة جرمه.
ثم إنه لا يليق بنصراني أن يورد علينا شيئا يزعم أن فيه وحشية، فإن كتابه المقدس فيه ما هو أعظم مما يذكره بمراحل، من الأمر بقتل النساء والصبيان والرضّع وقتل أمم كاملة!
بل الأمر بشق بطون الحوامل.
ففي سفر حزقيال إصحاح 9 عدد6 "الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ.
وَلاَ تَقْرُبُوا مِنْ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ مَقْدِسِي».
فَابْتَدَأُوا بِالرِّجَالِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ الْبَيْتِ".
وفي سفر صموئيل الأول إصحاح 15 عدد3 : "فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ ، بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا".
وفي سفر هوشع إصحاح13 عدد16 : "تُجَازَى السَّامِرَةُ ، لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا: بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ".
فإن كان هذا هو أمر الرب حقا لأولئك، فلا اعتراض لنا عليه، فالله سبحانه يحكم لا معقب لحكمه.
والذين يصفون الإسلام بالوحشية لأنه يقطع السارق، إنما يعترضون على الله ويكفرون به وبشرعه.
واعلم أن قطع اليد، وقطع الإبهام ثابت في الكتاب المقدس!
ففي سفر التثنية إصحاح 25 عدد 11" «إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌ وَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِكَيْ تُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْ يَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ، 12 فَاقْطَعْ يَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ".
وفي سفر القضاة، إصحاح1 عدد 2-6 " فَقَالَ الرَّبُّ: يَهُوذَا يَصْعَدُ. هُوَذَا قَدْ دَفَعْتُ الأَرْضَ لِيَدِهِ. 3
فَقَالَ يَهُوذَا لِشِمْعُونَ أَخِيهِ: اِصْعَدْ مَعِي فِي قُرْعَتِي ، لِكَيْ نُحَارِبَ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَأَصْعَدَ أَنَا أَيْضًا مَعَكَ فِي قُرْعَتِكَ. فَذَهَبَ شِمْعُونُ مَعَهُ. 4 فَصَعِدَ يَهُوذَا، وَدَفَعَ الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ ، عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل. 5
وَوَجَدُوا أَدُونِيَ بَازَقَ فِي بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ. 6 فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، فَتَبِعُوهُ وَأَمْسَكُوهُ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ".
فاحمد الله على الإسلام ، يا عبد الله ، ولا تجعل دينك عرضا للخصومات ، والمجادلات، ولا تفتح على نفسك أبواب الشبهات ، ولا تدخل في أمر لست تحسنه، ولم تتأهل له ، فتكون أنت الجاني على نفسك :
يَا بَارِيَ القَوْسِ بَرْيًا لَيْسَ يُحْكِمُهُ * لا تُفْسِدِ القَوْسَ؛ أَعْطِ القَوْسَ بَارِيهَا
والله أعلم.