الحمد لله.
هذه المنهيات وردت في خبر طويل يشتمل على مجموعة من المنهيات المتفرقة، وتفردت بذكره كتب الشيعة، والأصل في مرويات الشيعة التي تفردوا بها هو الضعف؛ لعدم تحرزهم في الروايات فأحاديثهم تدور على المجاهيل والكذابين والأسانيد المنقطعة غير المتصلة.
ومنها هذا الخبر فقد رواه صاحب كتابهم "من لا يحضره الفقيه" (4 / 5) بإسناد غير متصل لا يجمع شروط الصحة، وعلامات الكذب في متنه ظاهرة.
والظاهر أن مؤلف هذا الخبر جمعه من أخبار كثيرة منتشرة ، فيها ما له أصل صحيح ، وفيها ما هو من كلام الناس:
أولا:
فنهي الرجل عن النظر إلى عورة أخيه، هذا نهي ثابت.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ رواه مسلم (338).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل: حرام بالإجماع.
ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل، على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى، وهذا التحريم في حق غير الازواج ... " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (4 / 30 - 31).
وأمّا لفظة: " من تأمل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك " وكذا " أدخله الله مع المنافقين": فهذه لم نجد لها أصلا؛ والمبالغة في الوعيد على هذا النحو مما تختص به الأحاديث المكذوبة.
ثانيا:
النهى عن الأكل على الجنابة، وأنه يورث الفقر؛ فهذا خبر لا أصل له، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو جواز الأكل قبل الغسل، وإن كان يستحب له أن يتوضأ .
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا، فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ" رواه مسلم (305).
ثالثا:
نهي المرأة عن الخروج من بيتها بغير إذن زوجها، فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء، وكل شيء تمر عليه من الجن والإنس حتى ترجع إلى بيتها.
هذا الخبر ورد عند الطبراني في "المعجم الأوسط" (1 / 164) بإسناده عن سُوَيْد بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، وَزَوْجُهَا كَارِهٌ لذَلِكَ، لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ، غَيْرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى تَرْجِعَ .
ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ".
وهذا حديث ضعيف الإسناد.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ضعيف جدا.
رواه الطبراني في " الأوسط "... وقال:
" لم يروه عن عمرو إلا محمد، تفرد به سويد ".
قلت: وهو ضعيف جدا، قال الذهبي في "الضعفاء": قال أحمد: متروك الحديث.
وقال في " الميزان ": هو واه جدا.
وقال الهيثمي في "المجمع": رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك، وقد وثقه دحيم وغيره، وبقية رجاله ثقات." انتهى من "السلسلة الضعيفة" (3 / 222).
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (226665).
لكن على المرأة أن لا تخرج من بيتها بغير إذن زوجها؛ لما هو متقرر في الشرع من الأمر للمرأة بطاعة زوجها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى: ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ). وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت )... والأحاديث في ذلك كثيرة...
فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 262 - 263).
رابعا:
النهي عن تبييت القمامة ورد في حديث طويل رواه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (2 / 179)، بإسناد ضعيف جدا.
قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ضعيف جدا، رواه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" عن حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما مرفوعا.
قلت: وحرام هذا، قال الشافعي وابن معين فيه: الرواية عن حرام: حرام.
وقال مالك: ليس بثقة.
ذكره في "الميزان"، ثم ساق له مما أنكرت عليه أحاديث، هذا أحدها " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (4 / 320 – 321).
وروى نحوه عبد الرزاق في "المصنف" (11 / 32) عن معمر عن حرام بن عثمان، عن ابن جابر، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى أن تترك القمامة في الحجرة؛ فإنها مجلس الشيطان ... ".
فسنده ضعيف جدا كالذي قبله؛ لأنه من رواية حرام بن عثمان.
لكن من المعلوم في دين الإسلام الحرص على النظافة، وللفائدة طالع جواب السؤال رقم :(269466).
خامسا:
النهي عن دخول الحمام إلا بإزار، والإزار هي قطعة القماش التي يستر بها الجزء الأسفل من البدن، ورد في حديث عند الترمذي (2801)، والنسائي (401) عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ ، وصححه لغيره الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1 / 180).
سادسا:
وأما جملة: " إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته ".
فلم نقف لها على إسناد صحيح.
ورد نحوها في حديث ضعيف لكن بلفظ "في الليل" وليس في "فضاء".
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" حديث: (إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني، وأن أؤدبكم. إذا قمتم على أبواب حجركم؛ فاذكروا اسم الله يرجع الخبيث عن منازلكم، وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام؛ فليسم الله؛ حتى لا يشارككم الخبيث في أرزاقكم، ومن اغتسل بالليل؛ فليحاذر عن عورته، فإن لم يفعل فأصابه لمم؛ فلا يلومن إلا نفسه ...).
منكر جدا.
هكذا ساقه السيوطي في " الجامع الصغير " وفي "الكبير" أيضا من رواية الحكيم عن أبي هريرة. فعقب عليه المناوي بقوله:
"لكنه لم يسنده - كما يوهمه صنيع المصنف -؛ بل قال: حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق البصري يرفعه إلى أبي هريرة. هذه عبارته ".
قلت: فهو معضل؛ بين ابن شقيق وأبي هريرة مفاوز " انتهى من السلسلة الضعيفة (14 / 1187).
وأورد بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (3 / 228) هذا الخبر بلفظ ( بليل في فضاء )، حيث قال:
" عن مكحول عن عطية مرفوعا: (من اغتسل بليل في فضاء فليحاذر على عورته، ومن لم يفعل ذلك وأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه) " انتهى.
ولم نقف على إسناده كاملا.
وبكل حال؛ فحفظ العورة : إن كان عن أعين الناس؛ فهذا معلوم وجوبه، فالمسلم مأمور بستر العورة.
وأما إن كان المقصود النهي عن كشف العورة عند الحاجة، حتى وإن كان منفردا لا يراه الناس؛ فلم يثبت ما يدل على تحريم الاغتسال عريانا حيث يكون المغتسل بعيدا عن أعين الناس، وطالع للفائدة جواب السؤال رقم: (6976).
والله أعلم.