الحمد لله.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله :
لقد سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثيرة منذ سنوات متعددة تنشر بين الناس فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة ، وفي ألفاظها اختلاف ، وكاتبها يقول : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فحمله هذه الوصية ، ... وقد زعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب وأبين الباطل ، ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية ، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب وأبين الباطل ، فلما اطلعت على هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها ؛ لظهور بطلانها وعظم جرأة مفتريها على الكذب ، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من له أدنى بصيرة أو فطرة سليمة .
ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على كثير من الناس، وتداولوها بينهم، وصدقها بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها؛ لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يغتر بها أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان أو ذوي الفطرة السليمة والعقل الصحيح، عرف أنها كذب وافتراء من وجوه كثيرة .
ولقد سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية عن هذه الوصية، فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها أصلا، والشيخ أحمد المذكور قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور أو من هو أكبر منه زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أو اليقظة، وأوصاه بهذه الوصية- لعلمنا يقينا أنه كاذب، أو أن الذي قال له ذلك شيطان، وليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لوجوه كثيرة منها :
منها :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول خلاف الحق ، لا في حياته ، ولا في وفاته ، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة من وجوه كثيرة- كما يأتي :- وهو صلى الله عليه وسلم قد يرى في النوم ، ومن رآه في المنام على صورته الشريفة فقد رآه ؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورته ، كما جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف ، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي وصدقه وعدالته وضبطه وديانته وأمانته ، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في صورته أو في غيرها ؟ ، ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قاله في حياته من غير طريق الثقات العدول الضابطين لم يعتمد عليه ، ولم يحتج به ، أو جاء من طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم وأوثق مخالفة لا يمكن معها الجمع بين الروايتين لكان أحدهما منسوخا لا يعمل به، والثاني ناسخ يعمل به حيث أمكن بذلك بشروطه ، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن الجمع، وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظا وأدنى عدالة، والحكم عليها بأنها شاذة لا يعمل بها، فكيف بوصية لا يعرف صاحبها الذي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرف عدالته وأمانته... فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح ولا يلتفت إليها، وإن لم يكن فيها شيء يخالف الشرع ، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتضمنة لتشريع دين لم يأذن به الله! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار . ا.هـ باختصار
وقد كتب الشيخ صالح الفوزان مقالة عن هذه الوصية محذراً منها نشرتها مجلة الدعوة العدد 1082 جاء فيها :
هذه الوصية المكذوبة قديمة ، فقد ظهرت في مصر منذ أكثر من ثمانين سنة وقد دحضها أهل العلم وزيفوها وبينوا ما فيها من الكذب والباطل منهم الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله وقد قال في رده عليها : [ قد أجبنا عن هذه المسألة سنة 1322هـ وإننا نتذكر أننا رأينا مثل هذه الوصية منذ كنا نتعلم الخط والتهجي إلى الآن مراراً كثيرة وكلها معزوة إلى رجل اسمه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية والوصية مكذوبة قطعا لا يختلف في ذلك أحد شم رائحة العلم والدين ، وإنما يصدقها البلداء من العوام الأميين ] .
ثم رد عليها رحمه الله ردا مطولاً مفيداً دحض قيه كل ما جاء فيها من الافتراءات ، ثم إن هذه الوصية قد تلقفها بعض الجهلة وأخذوا يطبعونها ويوزعونها متأثرين بما فيها من الوعود والوعيد ، لأن هذا الفاجر الذي اخترعها قال فيها فمن طبع منها كذا من النسخ ووزعها حصل على مطلوبه ، إن كان مذنباً غفر الله له وإن كان موظفاً رفع إلى وظيفة أحسن من وظيفته ، وإن كان مديناً قضي دينه ، ومن كذب بها اسود وجهه وحصل عليه كذا وكذا من العقوبات ، فإذا قرأها بعض الجهلة تأثر بها وعمل على نشرها خوفاً وطمعاً .
وقد قام العلماء ببيان كذب هذه الوصية وحذروا الناس من نشرها والتصديق بها ، ومن هؤلاء العلماء : الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله فقد رد عليها برد جيد مفيد ، وبين ما فيها من الكذب والتدجيل ، وهذه الوصية باطلة من عدة وجوه :
أولاً : أن أحكام الدين والوعد والوعيد والأخبار عن المستقبل كل هذه الأمور لا تثبت إلاّ بوحي من الله إلى رسله ، والوحي قد انقطع بموت الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أكمل الله به الدين ، وقد ورث لنا الكتاب والسنة وفيهما الكفاية والهداية ، أما الرؤيا والحكايات فلا يثبت بها شيء لأن غالبها من وضع الشياطين لإضلال الناس عن دينهم ومفتري هذه الوصية يعد من صدقها ونشرها بدخول الجنة وقضاء حوائجه وتفريج كرباته ، ويتوعد من كذب بها بدخول النار وأنه يسود وجهه ، وهذا تشريع دين جديد وكذب على الله سبحانه وتعالى نعوذ بالله من ذلك .
ثانياً : أن مفتري هذه الوصية جعلها أعظم من القرآن الكريم لأن من كتب المصحف الشريف وأرسله من بلد إلى بلد لا يحصل له هذا الثواب الذي قال فيه الدجال إنه يحصل لمن ينشر هذه الوصية ومن لم يكتب القرآن ويرسله من بلد إلى بلد لا يحرم من شفاعة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا كان مؤمناً فكيف يحرم المؤمن من الشفاعة إذا لم يكتب هذه الوصية ويرسلها من بلد إلى بلد كما يقول مفتريها .
ثالثاً : أن هذه الوصية فيها ادعاء علم الغيب حيث جاء فيها [ أنه من الجمعة إلى الجمعة مات أربعون ألفاً على غير دين الإسلام ] فهذا من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله فإنه هو الذي يعلم عدد من يموت على الإسلام ومن يموت على الكفر ومن ادعى علم الغيب فهو كافر بالله .
رابعاً : أن الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة لا يثبتان إلاّ بنص من كتاب الله وسنة رسوله ، وهذا المفتري في هذه الوصية جعل الثواب لمن صدقها ، والعقاب لمن كذب بها ولم ينشرها ، وقد فضحه الله -والحمد لله- فكثير من المسلمين كذبوها وزيفوها ولم يحصل لهم إلاّ الخير والذين صدقوها ونشروها لم يحصل لهم إلاّ الخيبة والخسارة .
ثم إن هذا المفتري أراد أن يوهم العوام والجهال بصدق هذه الوصية فحلف بالله أيماناً مكررة أنه صادق وأنها حقيقة وأنه إن كان كاذباً يخرج من الدنيا على غير الإسلام وأراد أن يتظاهر بحب الإسلام وبغضه للمعاصي والمنكرات حتى يحسن به الظن ويصدق .
وهذا من مكره وخبثه بل ومن غباوته وجهله ، فإن الحلف وكثرة الأيمان لا تدل على صدق كل حالف فكثير من الكذابين يحلفون للتغرير بالناس ، فهذا إبليس حلف للأبوين عليهما السلام إني لكما لمن الناصحين والله تعالى قال لنبيه : ولا تطع كل حلاف مهين وأخبر أن المنافقين يحلفون على الكذب وهم يعلمون ، ويقول عنهم وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ التوبة /107 ، فهل يظن هذا الغبي الأحمق أنه إذا افترى الكذب على الله ورسوله في هذه الوصية وحلف في آخرها أن المسلمين سيصدقونه ويقبلون أقواله ، حاشا وكلا ، وأما تظاهره بالغيرة على الدين والتألم من المنكرات فهو من التقرير الذي يقصد من ورائه أن يحسن الناس به الظن ويقبلوا قوله ولم يدر أن فرعون اللعين تظاهر لقومه بالنصح والشفقة حينما قال لهم وهو يصدهم عن اتباع موسى عليه السلام إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد فما كل من تظاهر بالمناصحة والغيرة يكون صادقا ، ويكفينا ما جاء في الكتاب والسنة من التحذير من المنكرات والمعاصي وبيان العقوبات المترتبة عليه ففي ذلك الكفاية لأهل الإيمان .
هذا وربما يسأل سائل ما هو الهدف الذي يقصده صاحب هذه الوصية وما هو الدافع لقيامه بافترائها وترويجها ؟
والجواب : أن هدفه من ذلك تضليل الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم وصرفهم إلى الخرافات والحكايات المكذوبة فإذا صدقوه في هذه وراجت بينهم اخترع لهم أخرى وأخرى حتى ينشغلوا بذلك عن الكتاب والسنة فيسهل الدس عليهم وتغيير عقائدهم ، فإن المسلمين ما داموا متمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيهم فلن يستطيع المضللون صرفهم عن دينهم لكنهم إذا تركوا الكتاب والسنة وصدقوا الخرافات والحكايات والرؤيا الشيطانية سهل قيادهم لكل مضلل وملحد ، وقد يكون من وراء ذلك منظمات سرية من الكفار تعمل على ترويج هذه المفتريات لصرف المسلمين عن دينهم ومما يدل على ذلك أن هذه الخرافة موجودة منذ قرن من الزمان ويبعد أن يكون مخترعها على قيد الحياة فلولا أن هناك من يعمل على ترويجها من بعده لم تظهر فإياكم أيها المسلمون والتصديق بهذه المفتريات ، ولا يكن لها رواج بينكم واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم .
إن أعداء الله ورسوله من الكفار والمنافقين وشياطين الجن والإنس دائماً يحاولون صرف الناس عن الدين الحق إلى الدين الباطل وعن طريق الجنة إلى طريق النار ، وعن إتباع الرسل إلى إتباع الشياطين والمضلين ، فكانوا يحرفون شرائع الأنبياء ويغيرون الكتب المنزلة على الرسل ، كما فعلوا في التوراة والإنجيل ولما بعث الله خام النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليه القرآن العظيم والشرع القويم تكفل سبحانه بحفظ القرآن العظيم من التغيير والتبديل فقال سبحانه وتعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال تعالى : وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من كذب الكذابين بما أقام عليها من الحراس الأمناء وصفوة العلماء الذين حفظوها ونقولها بأمانة ونفوا عنها كل ما حاول إدخاله فيها الكذابون والدجالون ، فوضعوا الضوابط والقواعد التي يعرف بها الحديث الصحيح من الحديث المكذوب ودونوا الأحاديث الصحيحة وحموها وحشروا الأحاديث المكذوبة وحاصروها وحذروا منها ، فلما لم يجد أعداء الله ورسوله لهم منفذاً للدس في كتاب الله وسنة رسوله لجأوا إلى محاولة صرف الناس عن الكتاب والسنة وإشغالهم بالحكايات المكذوبة والمنامات المزورة التي تشتمل على الترغيب والترهيب والوعود الكاذبة التي تغري وتغر ضعاف الإيمان والجهلة فصرفوا كثيراً منهم إلى الشرك والإلحاد والبدع باسم الدين والعبادة والزهد جريا وراء تلك الخرافات .
فدين هؤلاء المنحرفين لا ينبني على الكتاب والسنة وإنما ينبني على الحكايات المكذوبة والمنامات المزعومة ، فضلوا عن الهدى ، وتركوا كتاب الله وسنة رسوله إلى وساوس الشياطين وهذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة ، قال تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم واحذروا الدسائس المضلة التي يروجها أعداء الملة .
وفق الله الجميع للاعتصام بالكتاب والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .