هل كثرة الشك هي نفسها كثرة النسيان في الصلاة أو غيرها من العبادات، فأحياناً يأتيني شرود للذهن وأنا في صلاتي، وأظنني أتيت بالركن، ويبقى شك بعدم الإتيان، وأنسى تلك اللحظة، مع أنني قد أصورها بالجوال فأجد أني أتيت بها فما التوجيه في ذلك ؟
الحمد لله.
أولا:
الظاهر أن ما ذكرته يعتبر شكا، لا نسيانا؛ لأن النسيان " ترك الشيء عن ذهول وغفلة" "الموسوعة الفقهية" (16/ 198) .
وعلى ذلك؛ فالنسيان: تحقق الترك.
وأما مع التردد هل فعل أو لم يفعل ؟ فهذا هو الشك، و "هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك" "الموسوعة" (29/ 179).
والشك الذي يقصده الفقهاء : يشمل التردد بلا ترجيح، والتردد مع ترجيح أحد الاحتمالات، أي يشمل الشك الاصطلاحي والظن.
قال البهوتي في "شرح المنتهى" (3/ 142): "الشك عند الأصوليين التردد بين أمرين لا ترجح لأحدهما على الآخر ، (وهو هنا مطلق التردد) بين وجود المشكوك فيه ، من طلاق أو عدده أو شرطه وعدمه. فيدخل فيه الظن والوهم" انتهى.
ثانيا:
إذا كثر الشك فهو وسوسة، لا يلتفت لها.
قال الكاساني رحمه الله نقلا عن محمد بن الحسن رحمه الله : " ولو شك في بعض وضوئه ، وهو أول ما شك : غسل الموضع الذي شك فيه ، لأنه على يقين من الحدث في ذلك الموضع ، وفي شك من غَسله .
والمراد من قوله : ( أول ما شك ) أن الشك في مثله لم يصر عادة له ; لا أنه لم يُبتل به قط. وإن كان يعرض له ذلك كثيرا ، لم يلتفت إليه ؛ لأن ذلك وسوسة . والسبيل في الوسوسة قطعها ; لأنه لو اشتغل بذلك ، لأدى إلى أن لا يتفرغ لأداء الصلاة ؛ وهذا لا يجوز " انتهى من "بدائع الصنائع" (1/ 33).
وفي "الموسوعة الفقهية" (14/ 233) : " الموسوس هو من يشك في العبادة ، ويكثر منه الشك فيها ، حتى يشك أنه لم يفعل الشيء ، وهو قد فعله.
والشك في الأصل : موجب للعود لما شك في تركه ، كمن رفع رأسه وشك هل ركع أم لا ؛ فإن عليه الركوع ؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه ، وليبن على اليقين .
ومن شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا : جعلها ثلاثا وأتى بواحدة ويسجد للسهو .
لكن إن كان موسوسا ، فلا يلتفت للوسواس لأنه يقع في الحرج ، والحرج منفي في الشريعة ، بل يمضي على ما غلب في نفسه . تخفيفا عنه وقطعا للوسواس " انتهى .
ثالثا:
المشروع في حقك أن تمضي في صلاتك، وألا تلتفت للشك، فلا تُعد الركن ولا تسجد للسهو.
قال البهوتي في "شرح المنتهى" (1/ 221): " و(لا) يشرع سجود السهو (إذا كثر) الشك (حتى صار كوسواس) ؛ لأنه يخرج به إلى نوع من المكابرة ، فيفضي إلى الزيادة في الصلاة، مع تيقن إتمامها فلزمه طرحه واللهو عنه " انتهى.
وقال الصاوي: " (وإن شك غيرُ مستنكح ، في محل : غسله).
إذا شك غير المستنكح ، في محل من بدنه ، هل أصابه الماء: وجب عليه غسله بصب الماء عليه ودلكه.
وأما المستنكح - وهو الذي يعتريه الشك كثيرا - فالواجب عليه الإعراض عنه، إذ تتبع الوسواس يفسد الدين من أصله، نعوذ بالله منه" انتهى من "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 170).
وينظر جواب السؤال رقم : (145752) .
والله أعلم.