الحمد لله.
أولا:
إذا قاتل المسلمون الكفار، فأسروا منهم أسرى، فالنساء والصبيان يكونون أرقاء بمجرد السبي، وأما الرجال البالغون المقاتلون، فيخير الإمام فيهم بين: قتل، ورق، ومَنٍّ، وفداء بمال، أو بأسير مسلم.
قال في "منار السبيل" (1/288): " [والأسارى من الكفار على قسمين: قسم يكون رقيقاً بمجرد السبي: وهم النساء والصبيان]؛ لأنهم مال لا ضرر في اقتنائه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان . رواه الجماعة إلا النسائي. ولحديث سبي هوازن. رواه أحمد والبخاري. وحديث عائشة في سبايا بني المصطلق . رواه أحمد.
[وقسم لا؛ وهم الرجال البالغون المقاتلون. والإمام فيهم مخير بين قتل، ورق، ومَنٍّ، وفداء بمال، أو بأسير مسلم]؛ لقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، وقتل النبي صلى الله عليه وسلم رجال بني قريظة، وهم بين الست مائة والسبع مائة ، وقتل يوم بدر النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط صبراً، وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحي.
وأما الرق؛ فلأنه يجوز إقرارهم بالجزية، فبالرق أولى، لأنه أبلغ في صَغارهم.
وأما المن؛ فلقوله تعالى: فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً الآية ، ولأنه صلى الله عليه وسلم مَنّ على ثُمامة بن أثال، وعلى أبي عزة الشاعر، وعلى أبي العاص بن الربيع .
وأما الفداء؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم، فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل . رواه أحمد والترمذي وصححه. وفدى أهل بدر بمال . رواه أبو داود" انتهى.
فالرق هنا لم تورثه الأم لولدها، بل هو مُستَرقٌّ معها بالحرب.
ثانيا:
إذا ولدت المرأة، فإن ولدها يتبعها في الحرية أو الرق.
والعبيد والإماء يعاملون معاملة المال، ولهذا يُباعون ويشتَرون، ويُضْمَنون عند التلف ضمان الأموال.
وأولاد الأمة يتبعون أمهم في الرق لأنهم نماؤها، لكن في ذلك تفصيل:
1-فإذا وطيء السيد أمته، فإن أولاده منها يكونون أحرارا.
2-وإذا تزوج عبد أمة، فولدها يكون ملكا لسيدها؛ لأن الولد نماؤها كما تقدم.
3-وكذلك إذا تزوج حر أمة، وهو عالم بكونها أمة، فإن الولد يكون ملكا لسيدها.
ولا يجوز تزوج الحر من أمة إلا عند عدم استطاعته تزوج حرة، وخوف العنت، لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النساء/25
4-وإذا تزوج حرٌ أمةً، يظنها حرة، أو اشترط حرية الولد، كان الولد حرا.
وتبعية الولد لأمه في الحرية والرق : أمر متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا تزوج الرجل المرأة وعلم أنها مملوكة. فإن ولدها منه مملوك لسيدها باتفاق الأئمة؛ فإن الولد يتبع أباه في النسب والولاء ، ويتبع أمه في الحرية والرق" انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/376).
وقال: "... والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى بضد هذا؛ حيث قال: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته)؛ فأخذ أحمد وغيره من فقهاء الحديث بهذا الحديث...
وما جاءت به السنة هو القياس الصحيح الذي تدل عليه الفطرة؛ فإن إلقاء الحب في الأرض بمنزلة إلقاء المني في الرحم سواء؛ ولهذا سمى الله النساء حرثا في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم).
كما سمى الأرض المزروعة حرثا، والمغلّب في ملك الحيوان إنما هو جانب الأم، ولهذا تبع الولد الآدمي أمه في الحرية والرق دون أبيه، ويكون جنين البهيمة لمالك الأم دون مالك الفحل الذي نُهي عن عسبه؛ وذلك لأن الأجزاء التي استمدها من الأم، أضعاف الأجزاء التي استمدها من الأب" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/124).
فرقُّ الولد، تبعا لأمه؛ لأنه كالجزء منها، فإذا كان استرقاقها مشروعا، فلا إشكال في استرقاق ما ينتج منها.
وليس التبعية في الاسترقاق مبنية على الذنب، أو الإثم؛ فالرقيق لم يسترق لأنه "آثم"، أو "مذنب"؛ إنما هي أحكام شرعية، اقتضتها مصالح العباد، وحكمة أحكم الحاكمين.
والرق كان شائعا قبل الإسلام، وجرى معاملة الكفار في الحروب بالمثل، فيُسترق منهم النساء والصبيان، كما أنهم يفعلون ذلك بأسرانا، ثم سعى الإسلام لتحرير الأرقاء بوسائل كثيرة، كالترغيب في العتق لوجه الله تعالى، وجعل العتق سبيلا في كفارة القتل والظهار واليمين، وغير ذلك من الوسائل.
ولم يعد الرق موجودا الآن، فلا فائدة من التعمق والتكلف في السؤال عن ذلك.
والله أعلم.