قرأت كثيرا عن الإسلام وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أثار اهتمامي، وإعجابي حقا، لكن هناك أمر لم أستطع فهمه، وأرجوا أن تشرحوه لي. قرأت عن ملك اليمين، والاستعباد في الفتوحات الإسلامية، فكيف لدين يعتبر أن كافة الناس سواسية أن يحل امتلاك الناس، أليس هذا ظلما، وحتى إن أسلموا، واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم يباعون ويشترون دون أدنى كرامة، أنا لا أفهم أين تكريم الإنسان هنا، أرجوا أن لا يساء فهمي، لكنني حقا أريد معرفة الحكمة من هذا. و شكرا
الحمد لله.
أولا :
يسرنا أن نتلقى الأسئلة ممن يبحثون عن الحق ليتبعوه ، ونبذل قصارى جهدنا في مساعدتهم للوصول إلى الحق ، وإزالة الشبهات التي تحول بينهم وبين رؤية الحق رؤيةً واضحة .
وقد سبق أن تكلمنا عن "الرق . وموقف الإسلام منه" في جواب السؤال رقم:(94840) ، ونحن نحيلك عليه ، لما فيه من نقول وأدلة وأقوال هامة ، ولن نكرر في هذا الجواب ما ذكرناه آنفا ، ولكننا سنذكر هنا ما نرجو أن يكون مع الجواب المحال عليه كافيا لإزالة تلك الشبهة ، وسببا لمزيد اقتناعك بأن الإسلام هو دين الله حقًّا.
فللإجابة على سؤالك نقول :
أولًا:
الرق .. ليس من اختراع الإسلام حتى يعاب الإسلام بسببه .
فجميع الديانات والمذاهب السابقة على الإسلام ، قد أقرت الرق ، وعملت به ، ولم تستنكره .
ففي الدول والممالك القديمة كان الرق موجودا، كاليونان والرومان والفرس والفراعنة والعرب .
وفي اليهودية : لا يحرم سوى استرقاق اليهود لبعضهم البعض ، فالتوراة (العهد القديم) تبيح لليهود استرقاق جميع الأمم .
وفي المسيحية لم يختلف الأمر ، فـ "العهد الجديد" يبيح للرجل أن يبيع ابنته ! وفي رسائل بولس "رسالة إفسس 65" يأمر العبيد أن يطيعوا سادتهم من القلب كما يطيعون المسيح .
ويقول الدكتور جورج بوست في "قاموس الكتاب المقدس" : "إن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ، ولا من وجهها الاقتصادي، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية، حتى ولا المباحثة فيها، ولم تقل شيئاً ضد حقوق أصحاب العبيد، ولا حركت العبيد إلى طلب الاستقلال، ولا بحثت عن مضار العبودية، ولا عن قساوتها ، ولم تأمر بإطلاق العبيد حالاً، وبالإجماع لم تغير النسبة الشرعية بين المولى والعبد بشيء، بل بعكس ذلك فقد أثبتت حقوق كل من الفريقين وواجباته".
فإذا كان الرق عيبا ، إذًا .. فلتُعب به اليهودية والنصرانية .
وإذا لم يكن عيبا لليهودية ولا للنصرانية ، فليس عيبا للإسلام من باب أولى ، لأن الإسلام أعطى العبيد حقوقهم بما لم تفعله سائر الأديان والمذاهب .
ولا يعترض على هذا بأن الدول الغربية قد منعت الرق وأصدرت القوانين بمنعه .
لأن هذه القوانين هي "صناعة بشرية" ولم تنسبها تلك الدول إلى "الدين" ، بل إذا سألنا يهوديًّا أو نصرانيًّا، عارفا بدينه وبما جاء فيه : هل دينك الذي تؤمن به ، وكتابك الذي تقدسه يقر العبودية أم لا ؟ فلن يجد إلا جوابا واحدا واضح كل الوضوح : نعم ؛ الدين اليهودي والدين النصراني والكتاب المقدس بعهديه : القديم والجديد .. كل ذلك يقر العبودية ولا يحرمها ، ولا أمر شيءٌ من ذلك بتحرير العبيد .
هذه حقيقة واضحة ، يعلمها كل من قرأ كتابه الذي يقدسه .
وفي الوقت الذي نجد فيه "الكتاب المقدس" يأمر باسترقاق جميع الأمم سوى اليهود ، ويبيح للرجل أن يبيع ابنته ، لا نجد مثل هذا في الإسلام ، فليس في الإسلام نص واحد يأمر باسترقاق الأمم والشعوب سوى المسلمين ، بل نجد في الإسلام عشرات النصوص والأحكام التي تأمر بتحرير العبيد وعتقهم .
فهل من الإنصاف بعد ذلك أن يعاب الإسلام بالرق ، ولا تعاب اليهودية ولا النصرانية؟
ثانيًا :
هؤلاء العبيد – قبل الإسلام – لم يكن لهم أية حقوق عند أسيادهم ، بل كان للسيد الحق المطلق في كل ما يفعله بعبده ، فيستعمله في الأعمال الشاقة كما يشاء ، ويقلل عليه طعامه كما يشاء ، ويهينه ويضربه ويسبه ويعذبه كما يشاء .
بل كان الكثير منهم يعاقب عبده بالحرق بالنار ، أو قطع بعض أطرافه أو قتله !
والمجتمعات والأنظمة والديانات في ذلك الوقت – في الغالب- لا تستنكر هذا ، ولا تمنع السيد مما أراد أن يفعله بعبده .
ثم إذا انتقلنا إلى العصر الحديث فالحضارة الغربية المادية إنما بناها أحرار أفريقيا ، الذين كان الغربيون (الأوروبيون والأمريكيون) يسترقونهم ، وكانوا يصيدونهم من بلادهم كما تُصاد الحيوانات !
ونحن بطبيعة الحال لا نرضى بهذا التشبيه ، ولكن هذا هو الواقع الأليم .
ولهم في ذلك أساليب خبيثة ماكرة معلومة .
وينقلونهم إلى بلادهم في ظروف إنسانية بالغة الشدة والعنت ، ولذلك كان يموت أكثرهم أثناء نقلهم ، وكانوا يلقون في البحر ، وعدد هؤلاء بالملايين .
ثم .. بعد بناء الحضارة الغربية على أشلاء هؤلاء ورفاتهم ، جاءوا بتشريعاتهم وقوانينهم التي منعت الرق وحرمته !
وهذه التشريعات لم تكن منحة وتفضلًا على هؤلاء ، وإنما استعاد هؤلاء حريتهم بكفاحهم الذي دام سنوات طويلة ، حتى تحقق لهم هدفهم بدمائهم وتضحياتهم ومطالباتهم .
فالحضارة المادية المعاصرة لم تحرر العبيد ! وإنما استعاد الأحرار حريتهم منها قسرا ، فأرغموا تلك الحكومات على الخضوع لمطالبهم وإعطائهم حقهم المغصوب .
أما الإسلام ، فإنه أقام نظامه الخاص بالرقيق ، وقد بناه على عدة محاور :
الأول : أمر بالعدل ، بل بالإحسان إلى العبيد .
ورد هذا الأمر في القرآن الكريم ، وفي الكثير من الأحاديث النبوية ، قال الله تعالى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً النساء/36.
فقرن الله تعالى الأمر بالإحسان إلى العبيد وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ بالأمر بعبادته وحده لا شريك له ، وبالإحسان إلى الوالدين ، مما يدل على منزلة الإحسان إلى العبيد في الإسلام .
فنسأل الذين يعترضون على "الرق في الإسلام" : في أي شريعة من الشرائع ورد مثل هذا الأمر؟ قطعا ؛ لا جواب .
لأن الجميع يعلم أن هذا لم يرد إلا في الإسلام .
ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت ، أوصى أمته بأمرين : أن يقيموا الصلاة كما أمر الله ، وأن يتقوا الله في العبيد ويحسنوا إليهم .
روى أبو داود (5158) عَنْ عَلِىٍّ رضي الله عنه قَالَ : "كَانَ آخِرُ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فأي اهتمام بشأن العبيد بعد هذا !!
المحور الثاني :
أعطى الإسلام العبيد حقوقهم الإنسانية ، فلا يضرب ، ولا يهان ، ولا يعذب ، ولا يسب، ولا تقطع أطرافه ، ولا يقتل .
بل جعل الإسلام بعض هذه الاعتداءات على العبيد من كبائر الذنوب ، وجعل بعضها الآخر سببا للقصاص من السيد ، وجعل بعضا منها سببا لعتق العبد .
بل حتى أهون الكلمات ، نهى الإسلامُ السيدَ أن يخاطب بها عبده .
فقال صلى الله عليه وسلم : لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ : عَبْدِى ، أَمَتِى . وَلْيَقُلْ: فَتَاىَ وَفَتَاتِى وَغُلاَمِى رواه البخاري (2552)، ومسلم (6014) .
وذلك لأن قول السيد : "عبدي" مما يشعر بالكبر والتعالي ، ويصيب العبد بشيء من الذل والإهانة ، والإسلام لا يرضى بذلك .
بل في حديث آخر يصف النبي صلى الله عليه وسلم العبيد بأنهم إخوة لأسيادهم ، فيقول صلى الله عليه وسلم : إِخْوَانُكُمْ ... جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ رواه البخاري (30)، ومسلم (4403) .
فالسيد في الإسلام ، ينظر إلى العبد على أنه أخوه ، لا على أنه مخلوق لا روح له ، ولا إحساس ، ولا عقل ولا شعور ، كما يصف الكتاب المقدس العبيد بذلك !!
ولذلك كان العبيد في ظل الإسلام يجلسون على موائد الطعام ، ويأكلون مع أسيادهم – وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم – وكانوا يلبسون من نفس الثياب التي يلبسها أسيادهم – وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا- ، فكان الرجل يجلس مع عبيده وخدمه ، لا يعرف أيهم السيد وأيهم العبد ؟ ولا أيهم الخادم أو المخدوم ؟
لأن الجميع جلسوا جلسة واحدة ، ولبسوا لبسة واحدة ، والتزم الجميع بآداب الحديث والمجلس !
ففي "صحيح مسلم (3006) : عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ ...
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أَنَا: يَا عَمِّ؛ لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكَ، وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ، فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ؟
فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ فِيهِ؛ يَا ابْنَ أَخِي بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ؛ وَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
فتأمل هذا الحديث الجليل، هذا التابعي يسأل أبا اليَسر، وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لماذا أنت وغلامك – وهو عبده، وخادمه – يلبس كل واحد منكما لباسا من قطعتين مختلفتين: بردة ومعافري، وهما نوعان من الثياب، ولا يقول له : أن يأخذ الأحسن منهما لنفسه، ويدع الثاني لعبده، بل يقول له: كل واحد منكما يأخذ قطعتين، مشتبهتين، فيأبى الصحابي إلا أن يسوي عبده معه، كل منهما له قطعة، وللآخر مثلها!!
المحور الثالث :
حصر الإسلام سبب الرق في سبب واحد فقط ، وهو الجهاد الإسلامي ، والحروب التي تقع بين المسلمين والكفار ، فالأسرى من النساء والأطفال يكونون عبيدا ، وكذلك الرجال البالغون المقاتلون .. عند كثير من العلماء .
أما قبل الإسلام فكانت أسباب الرق متعددة ، فكان الخطف سببا للرق ، والمقامرة سببا آخر ، وكان المدين إذا لم يوف دينه في أجله صار عبدا للدائن ، كما كان الفقر سببا للرق ، فيبيع الرجل أولاده إذا احتاج إلى المال !
فكانت تقطع الطرق ، وتقوم العصابات بالإغارة والسلب والنهب والقتل من أجل خطف الأحرار واسترقاقهم وبيعهم ، فجاء الإسلام ومنع ذلك كله ، ولم يُبق إلا سببا واحدا فقط .
فضيق الإسلام أسباب الرق إلى سبب واحد فقط ، وفي المقابل .. فتح أبواب الحرية والعتق مشرعةً كما سيأتي .
المحور الرابع :
رَغَّب الإسلام في تحرير العبيد ، وشرع الأسباب الكثيرة التي يُحرَّر بها العبيد ، وجعل ذلك من خصال الكفارة ، ككفارة القتل الخطأ ، والظهار ، والأيمان ... وغير ذلك .
كما جعل الإسلام تحرير العبيد مصرفا من مصارف الزكاة ، التي هي أحد أعظم أركان الإسلام ، قال الله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التورة/60 .
و(وَفِي الرِّقَابِ) يعني : شراء العبيد من أموال الزكاة وتحريرهم .
المحور الخامس :
أمر الإسلامُ السيدَ إذا أراد عبدُه المكاتبة (أي : يشتري نفسه من سيده ، ويسدد إليه الثمن على أقساط ، ثم يكون حرًّا) أمر الإسلام السيد بقبول هذه المكاتبة ، وعدم رفضها ، لأن الإسلام يتطلع إلى تحرير العبيد .
قال الله تعالى : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ النور/33 .
ولم تكتف الآية بأمر السيد بالموافقة إذا طلب العبد ، بل أمرت المسلمين – ويدخل فيهم السيد – أن يعينوا العبد على سداد ما عليه ، بأن يعطوه بعض الأموال ، لتكون رأس مال تجارته أو يشتري بها آلات لصناعته حتى يعمل ويؤدي ما عليه من أقساط وينال حريته .
فالسيد يؤمر بأن يكاتب عبده إن طلب العبد ذلك ، ثم يؤمر أن يعطيه مالًا يبدأ به حياته الجديدة ، ويسقط عنه بعض الأقساط ، هكذا أمرت الآية وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ .
المحور السادس :
أقام الإسلام علاقة قوية متينة بين السيد وعبده ، وهي علاقة "الولاء" ، وهي علاقة تثبت التوارث بين السيد وعبده ، وجعل الإسلام هذه العلاقة كعلاقة النسب .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ رواه الحاكم، وابن حبان، وصححاه ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1668).
(لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ) أي : صلة بين المعتق والعتيق كصلة النسب .
وقد اختار بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الولاء يورث به من الجهتين ، أي : يرث السيدُ عبدَه ، ويرث العبدُ سيدَه . وفق شروط معروفة من نظام الإرث في الإسلام .
ينظر : "الاختيارات" (ص 282) .
فأي عيب في هذا النظام القائم على العدل والإحسان حتى يعاب به الإسلام !
إن هذا النظام هو من محاسن الإسلام ، التي كانت سببا لدخول هؤلاء العبيد فيه .
وقد كان العبد – في ظل أحكام الإسلام- يشعر كأنه واحد من أفراد الأسرة ، وبينه وبينهم صلة تشبه صلة النسب ، وهو ما كان يجعل الكثير منهم يفضلون الرق في ظل الإسلام على الحرية !
ونضرب لذلك مثالا واحدا ، خلَّد القرآنُ- طرفًا من قصته ، وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه ، حيث اختطف في الجاهلية – قبل الإسلام- وبيع وتناقلته الأيدي ، حتى اشترته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنه ، ثم أهدته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وخلال تلك الفترة كان أبوه وأعمامه وعشيرته يبحثون عنه ، حتى وجدوه ، فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتروه منه بالثمن الذي يريده ، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيخيره بين أن يبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين أن يذهب مع أبيه وأعمامه ، فإن اختار الذهاب معهم فسوف يعتقه النبي صلى الله عليه وسلم مجانًا ويتركه يذهب معهم .
ففرح أهله بذلك أيما فرح ، ولم يشكُّوا أن ابنهم سيختار الحرية قطعا .
ثم .. كانت المفاجأة ! حيث اختار زيد البقاء رقيقا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، على الحرية والذهاب مع أبيه وعشيرته !
فكافأه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بأن تبناه ، وأعلن ذلك في مكة ، وصار زيد ينادى بـ "زيد بن محمد" .
وقد كان التبني جائزا في أول الإسلام ، ثم حرمه الله تعالى بعد ذلك .
وذكر الله تعالى طرفا من قصة زيد في سورة الأحزاب ، تتلى في محاريب المسلمين إلى يوم القيامة ، ويذكرون اسمه ، وهو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه صراحةً في القرآن الكريم .
أفبعد هذا كله يأتي مدعٍ ليزعم أنه مع حقوق العبيد وضد الإسلام ، وقد اندمج العبيد أنفسهم مع الأسر الإسلامية ، وصاروا كسائر أفرادها !
ثالثا :
بقي سؤال أخير : لماذا لم يبطل الإسلام نظام الرق ؟
والجواب : أن وجود الرق هو ضرورة يمليها الصراع بين البشر والتدافع الإنساني .
فالحروب ينتج عنها أسرى ، فهؤلاء الأسرى أين يُذهب بهم ؟
والتاريخ القديم والحديث يقول : إن حال هؤلاء الأسرى – في الغالب – بين أحد أمرين : إما القتل، وإما السجن مدى الحياة أو إلى أجل غير معلوم ، في ظروف معيشية صعبة ، لا تليق بالإنسان .
وشواهد التاريخ القديم والمعاصر على هذا كثيرة معلومة .
اقرئي عن معسكرات الأسرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ثم معسكرات الأسرى فيما تلا ذلك من حروب بين بلدان العالم ، لا يزال بعضها موجودا ، ويعذب فيه الأسرى حتى هذه اللحظة .
فلم يكن من الحكمة إلغاء الرق ، لأن إلغاءه سيعني قتل الأسرى ، لأن إطلاقهم يُخشى منه اجتماعهم مرة أخرى للقتال ، فيستمر نزيف الدماء وويلات الحروب .
فكان من الحكمة إباحة الرق ، دفعا لفساد هؤلاء ، وعقوبة لهم على ما اقترفوه من إثم ، ويكون عقابًا أخف من قتلهم .
ثم .. إن صلح حال هؤلاء وتابوا وعادوا إلى رشدهم ، فالإسلام يفتح لهم الأبواب لينالوا حريتهم ، بطرق كثيرة ، وقد سبق ذكر بعضها .
فكانت الحكمة كل الحكمة فيما شرعه الإسلام .
ونرجو أن يكون هذا ، مع الجواب المحال عليه ، كافيا لإزالة تلك الشبهة ، وبيان أن نظام الرق في الإسلام هو من محاسن الإسلام ، وليس من معايبه ، وليس في الإسلام ما يعاب به ، لأنه تنزيل من حكيم حميد .
وأخيرا .. فإننا ننصحك بالمبادرة بالدخول في الإسلام ، وعدم تضييع الوقت والتأجيل ، فإن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ، وأن يهديك سواء السبيل .