المفاضلة بين أعمال الصحابة وأعمال أهل آخر الزمان

19-09-2002

السؤال 3374

قرأت في صحيح الجامع حديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة أن أقواماً من المسلمين في زمن ضعف الدين يكون أجر العامل منهم أجر خمسين من الصحابة. وسبب حيرتي هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . وقال أيضاً : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ ذلك مد أحد الصحابة أو نصيفه.

الجواب

الحمد لله.

لفهم المسألة لا بد من العلم بأن الأجر أجران أجر العمل وأجر الصحبة فقد يعمل بعض المتأخرين من الأمة أعمالاً أجرها أكبر من أجر من عمل مثلها من بعض الصحابة لقلة الناصر وضعف المعين والفتنة والبلاء ولكنهم لا يبلغون أجر صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولقائه .

قال الحافظ ابن حجر :

حديث " للعامل منهم أجر خمسين منكم " : لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية .

وأيضاً : فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل ، فأما ما فاز به مَن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد .

فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة . " فتح الباري " ( 7 / 7 )

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

وقد يكون لهم – أي : للمتأخرين - من الحسنات ما يكون للعامل منهم – أي : من الصحابة - أجر خمسين رجلاً يعملها في ذلك الزمان ؛ لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك ، وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا مَن يعينهم على ذلك لكن تضعيف الأجر لهم في أمور لم يضعف للصحابة لا يلزم أن يكونوا أفضل من الصحابة ولا يكون فاضلهم كفاضل الصحابة فإن الذي سبق إليه الصحابة من الإيمان والجهاد ومعاداة أهل الأرض في موالاة الرسول وتصديقه وطاعته فيما يخبر به ويوجبه قبل أن تنتشر دعوته وتظهر كلمته وتكثر أعوانه وأنصاره وتنتشر دلائل نبوته بل مع قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والمنافقين وإنفاق المؤمنين أموالهم في سبيل الله ابتغاء وجهه في مثل تلك الحال أمر ما بقي يحصل مثله لأحد كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه " . " مجموع الفتاوى " ( 13 / 65 ، 66 )

وقال :

ومع هذا فما للمتأخرين كرامة إلا وللسلف من نوعها ما هو أكمل منها .

وأما قوله " لهم أجر خمسين منكم لأنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعوانا " : فهذا صحيح إذا عمل الواحد من المتأخرين مثل عملٍ عَمِلَه بعضُ المتقدمين كان له أجر خمسين لكن لا يتصور أن بعض المتأخرين يعمل مثل عمل بعض أكابر السابقين كأبي بكر وعمر فإنه ما بقي يبعث نبيٌّ مثل محمدٍ يُعمل معه مثلما عَملوا مع محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم .

وأما قوله " أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره " - مع أن فيه ليناً - فمعناه : في المتأخرين مَن يشبه المتقدمين ويقاربهم حتى يبقى لقوة المشابهة والمقارنة لا يدري الذي ينظر إليه أهذا خير أم هذا ، وإن كان أحدهما في نفس الأمر خيراً .

فهذا فيه بشرى للمتأخرين بأن فيهم من يقارب السابقين كما جاء في الحديث الآخر " خير أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أو عوج ، وددت أنى رأيت إخواني ، قالوا : أوَلَسنا إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي " : هو تفضيل للصحابة فإن لهم خصوصية الصحبة التي هي أكمل من مجرد الأُخُوَّة . " مجموع الفتاوى " ( 11 / 370 ، 371 )

ومما هو جدير بالتنبيه أن لفظ الحديث الوارد في السؤال وهو " خير القرون قرني " : لا أصل له بهذا اللفظ ، وإن كثر استعماله في كتب أهل السنة ، ثم هو خطأ من حيث المعنى ، إذ لو كان هذا لفظه لقال بعده " ثم الذي يليه " ! لكن لفظ الحديث " ثم الذين يلونهم " ، ولفظ الحديث الصحيح : " خير الناس قرني " و " خير أمتي قرني ".

والله أعلم .

المناقب
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب