أنا مخطوبة لشاب تركي، عندما كنا نخطط لأمور زفافنا اكتشفت أنه من عاداتهم أن المرأة لا يجوز لها كشف شعرها أمام والد زوجها، وأن النساء هناك تضعن الحجاب حتى أمام النساء الأخريات، صدمني هذا الأمر، وشعرت أن فيه تمادي على حكم الله تعالى بجواز كشف ما يجوز كشفه عادة أمام النساء والمحارم، يبدو أن خطيبي سيجبرني على الالتزام بعاداتهم في حال حضورهم منزلي أو ذهابي عندهم، و أنا غير راضية، وأشعر أنني يصعب علي ترك ما هو مباح لأجل ما يسنه مجتمع ما من عادات وتقاليد لا تمت للدين بصلة، وصل بي الأمر للتفكير في ترك هذا الشاب؛ لخوفي من وجود عادات أخرى لم أعلم بها، أود أن ألفت انتباهكم أنني لا أعني أنني أريد لبس لباس فاضحٍ أمام والد زوجي، إنما أريد أن آخذ رخصتي في كشف الشعر والوجه والرقبة واليدين وما إلى ذلك مما هو مباح، خطيبي يقول لي: بأن وضع الحجاب أمام أبيه من الاحترام له، وأن عدم وضعه تقليل من احترامه، أنا لا أفهم حقاً، كيف يكون ما هو حلال قلة احترام؟ يقول أيضاً: أن أباه رجل كبير تربى على هذه العادة، ولن يقتنع إذا حاولنا اقناعه أن الأمر محلّل من رب العالمين، مثلاً غير المحجبة إذا ظهرت أمام والد الزوج بدون حجاب لا يعتبرونه عدم احترام، و يقبلونها كما هي، لكن إذا ظهرت المحجبة أمام والد الزوج بدون حجابـ رغم أنه حلالـ يرونه قلة احترام، خطيبي يعلم أن الأمر محلل، لكن لا يريد أن يتكلم مع والده بهذا الشأن. أليس في فرضهم الحجاب علي تمادي على حكم الله تعالى؟ وهل يأثمون أم هل آثم أنا إن لم أطع؟ أصبح هذا الموضوع يشكل وسواساً لي، وأنا خائفة، وأفكر به دائماً . أرجو منكم النصح العاجل لي، ولو كان عندكم نصيحة له أجعله يقرأها سأكون شاكرة لكم.
الحمد لله.
أولا:
المخطوبة أجنبية عن خاطبها وعن أبيه، فيلزمها الحجاب أمامهما، إلا أنه أبيح للخاطب أن يراها عند الخطبة وأن تكشف له وجهها وكفيها كما هو مذهب جمهور الفقهاء.
فإذا تم عقد النكاح أبيح للزوج أن يرى منها كل شيء، وأبيح لأبيه أن يرى منها ما يرى المحارم منها، لأنه يصير بعقد النكاح محرما لها، كما قال تعالى: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ النساء/23
والمرأة تكشف أمام محارمها ما يظهر غالبا كالرأس والوجه والرقبة والذراعين والقدمين؛ لقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ الآية، النور/31
قال في "كشاف القناع" (5/11) : " ( و ) لرجل أيضا: نظرُ وجهِ ورقبةِ ويدِ وقدمِ ورأسِ وساقِ ( ذات محارمه ) . قال القاضي على هذه الرواية : يباح ما يظهر غالبا، كالرأس واليدين إلى المرفقين " انتهى .
والمحارم متفاوتون في القرب، وأمن الفتنة، ولهذا تبدي المرأة لأبيها ما لا تبديه لوالد زوجها، أو ابن زوجها، وتبدي لأخيها من النسب، ما لا تبديه لأخيها من الرضاع.
قال القرطبي رحمه الله:
" لما ذكر الله تعالى الأزواج، وبدأ بهم: ثنّى بذوي المحارم، وسوى بينهم في إبداء الزينة.
ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة، أحوط من كشف ولد زوجها .
وتختلف مراتب ما يُبدى لهم ، فيبدَى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينبغي للمرأة أن تكون حريصة على صيانة جسمها، وعلى حفظ مفاتنها، وصيانتها حتى عن المحارم؛ حذراً من الفتنة.
ولكن لا بأس أن يبدو شعرها أو ساعدها أو شيء من ساقها، لا بأس لمحرمها، كأبيها وأخيها وعمها ونحو ذلك.
لكن كونها تتحفظ وتستر شعرها، وساعديها وساقيها عن المحارم من باب الاحتشام، ومن باب الحذر من بعض المحارم الذين قد يخشى منهم الشر؛ لأن المحارم بعضهم فيه فسق وفيه خطر، فإذا احتشمت وسترت نفسها عند محارمها، ولم تبدِ إلا وجهها وكفيها أو قدميها مثلاً، هذا يكون أحسن وأحوط، وأبعد لها عن الخطر؛ لأن بعض المحارم يُخشى شرهم، لفسقهم وانحرافهم أو كفر بعضهم -لا حول ولا قوة إلا بالله- .
ولكن يجوز للمحرم أن ينظر شعرها وساقها -مثلاً- وساعدها، كما ينظر وجهها وكفيها، لكن كونها تحتشم وكونها تستر هذه الأمور، ولا تبدي إلا الوجه والكفين، أو القدمين مثلاً، هذا يكون أفضل لها وأحوط؛ حذراً من بعض المحارم الذين ليس عندهم من الإيمان والتقوى ما يحجزهم عن الشر، هذا هو الذي ينبغي، ولا سيما إذا خلا بها محرمها كأخيها وعمها؛ فإن الحشمة في هذا المقام أولى وأفضل وأحوط" انتهى من "فتاوى نور على الدرب":
ثانيا:
إذا كان العرف في بلد ما أن المرأة لا تكشف شعرها أمام والد زوجها، فعليها أن تراعي ذلك، وليس في هذا تحريم لما أحل الله، لكن ليس كل مباح يُفعل أمام الناس، ألا ترين أن الناس يمتنعون من مباحات كثيرة، مراعاة للعرف والأدب المبني عليه، كمدّ الرجل بحضرة الكبير، والتكلم مع وجود الطعام في الفم، ووضع الأصبع في الأنف ونحو ذلك، مما يترك فعله بحضرة الناس احتراما وتوقيرا، فلا يقال: هل يكون في الحلال قلة احترام؟!
ولا يقال: إن هذا تعد على حكم الله، إلا إذا قيل: يحرم على المرأة أن تكشف شعرها أمام والد زوجها، ولا نظن أن هذا يقال، لكن جرت العادة أن من توقير هذا المحرَم عدم كشف الشعر أمامه، وفي بعض المجتمعات يكون من توقير الأب، أو الحياء منه: أن لا تكشف البنت ذراعيها أمامه، وكثير من النسوة يرغبن في عدم الكشف أمام والد الزوج حياء.
والمقصود : أنه ينبغي مراعاة هذه العادات، ما دامت لا تقتضي ارتكاب محرم، فإن الستر ليس محرما.
بخلاف ما لو جرت العادة أن المرأة تكشف شعرها أمام أخي زوجها، وتلام على لبس الحجاب أمامه، فهذه عادة لا يجوز مراعاتها لما يترتب عليها من المعصية.
وهكذا يقال في عدم الكشف وإبداء الزينة أمام النساء، مع أنه مباح.
ولا نرى داعيا للقلق بشأن هذه المسألة، فإن المرأة لزوجها، واللقاء بأبيه أو بقريباته من النساء لا يكون إلا أحيانا، إذا زاروها أو زارتهم، والزواج في قوم من عادتهم الستر، حتى ولو بالغوا فيه ، خير لك ألف مرة من الزواج ممن يريدون من المرأة أن تكشف شعرها، وتبدي زينتها لكل قريب!!
فدعي عنك الوساوس، وأتمي النكاح إذا كان خاطبك مرضي الدين والخلق.
والله أعلم.