السؤال: هل يصح أن أقرأ دعاء شراء الدابة على السيارة الجديدة (اللهم إني أسالك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه )؟ وكيف يكون الجبل في السيارة وهي من صنع البشر، وتعمل بشكل آلي ومكانيكي كامل؟
الحمد لله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، أَوْ خَادِمًا، أَوْ دَابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ رواه ابن ماجه (1918)، ورواه أبو داود (2160) بلفظ: إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وحسّنه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
وعبارة: ( مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ )، قال الراغب الأصفهاني:
" وجَبَلَهُ الله على كذا، إشارة إلى ما رّكب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله " انتهى من " المفردات" (ص 185).
والسيارة في حكم الدابة والبعير؛ فكلها مراكب وكلها يرجى ما فيها من الخير ويخشى من شرها، فلذا يشرع الدعاء عند امتلاك السيارة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين ... فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين " انتهى من "زاد المعاد" (4 / 248).
وهذه السيارة وإن كانت من صنع الصانع؛ إلا أن هذا الصانع وصنعته كلهم مخلوق لله تعالى.
وكما أن الدابة "مجبولة" ، مسخرة على ما خلقها الله له؛ فكذلك السيارات، ونحوها مما يركب الناس من الجمادات: هي أيضا مسخرة، مجبولة على ما خلقها الله له .
ومن أظهر الدليل على ذلك، قول الله تعالى : وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ الزخرف/12-14
فسوى الله تعالى بين الفلك والأنعام، وشرع لعباده أدبا واحدا فيهما : أن يذكروا الله ، ويحمدوه على نعمته عليهم بتسخير هذه المراكب لمصالحهم، ولولا نعمة الله عليهم، وما سخر لهم من هذه المراكب، ما كانت لهم قوة على تسخيرها لمصالحهم، ولا ركوبها وتذليلها.
جاء في "التفسير الوسيط" – مجمع البحوث الإسلامية – (9/789) :
" أي: وهو الذي - جل شأنه - خلق الأصناف كلها ، من جبال متنوعة الألوان والأحوال والأحجام، إلى أناس يختلفون في ألوانهم وألسنتهم، إلي حيوان تتباين أنواعه، إلي عوالم في البر والبحر وفي السماوات وفي الأرض، لا يعلم حقيقتها إلا هو - سبحانه - .
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ : ومنّ عليكم ، وسخر وأجرى لكم من السفن ما يحملكم في جوفها، وذَلل لكم الأنعام من الإبل وغيرها ما تركبونه وتعلون ظهره.
13 - لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ: أي: لتستقروا على ظهورها ، وتتمكنوا منها ، ثم تذكروا بقلوبكم وألسنتكم نعمة ربكم ، وعطاءه لكم .
وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ، أي: تجعلون ألسنتكم ترجمانا على ما ملأَ قلوبكم ، معلنا ما انطوت عليه جوانحكم، فتقولون بلسان ذاكر عن قلب شاكر: تنزهت وتقدست يا ربنا عن أي وصف لا يليق بك، أنت الذي ذللت لنا هذه المخلوقات التي تفوق قدرتنا، ويستعصى علينا قيادها، فلو أردت لمنعت حركة السفن، فلا تغادر مكانها ولا تبرح موضعها، كما قال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ ، ولو شئت ألا تمكننا من هذه الدواب والأنعام التي لا حول لنا معها ولا قوة إلا بك ؛ لو شئت لفعلت ، ولكنك يسَّرتها لنا وملكتنا أمرها. " انتهى.
وروى مسلم في صحيحه (1342)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ .
فالحاصل؛ أن السيارة ، ونحوها مما يركب الناس: هي مسخرة ، بأمر الله ، كالدابة ، ولا شك أن مالكها يرجو ما فيها من الخير، ويخشى ما فيها من شر، ولذا يسأل الله تعالى خيرها، ويتعوذ به من شرها.
وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (164906).
والله أعلم.