الحمد لله.
أولاً : المسجد الأقصى له فضيلة على غيره من المساجد ، فأفضل المساجد على الإطلاق المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم المسجد الأقصى .
وهذه المساجد الثلاثة هي المساجد التي يشرع السفر إليها للعبادة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ، وَمَسْجِدِي هَذَا ) رواه البخاري (1996) .
والصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة .
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو ، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خيراً له من الدنيا جميعاً " . رواه الحاكم ( 4 / 509 ) وصححه ووافقه الذهبي والألباني كما في " السلسلة الصحيحة " في آخر الكلام على حديث رقم ( 2902 ).
(شطن فرسه) هو حبل الفرس .
والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة ، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة .
وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة : فضعيف . انظر " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله ( ص 292 ) .
ثانياً : الحرم له أحكام تخصه ، شرعها الله تعالى .
منها : تحريم القتال فيه .
ومنها : أنه يحرم صيد الحيوانات والطيور الموجودة به ، ويحرم قطع نباته الذي نبت بفعل الله تعالى ولم يزرعه أحد .
وقد امتن الله تعالى على أهل مكة بأن جعل لهم مكة حرما آمناً ، يأمن فيه الناس والدواب ، قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) القصص/57 .
وقال : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) العنكبوت / 67 .
وقال تعالى : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) البقرة / 97 .
وروى مسلم (1362) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ . . . لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا ) .
والعضاه كل شجر فيه شوك ، وإذا حُرِّم قطعُ الشجر الذي فيه شوك فتحريم قطع الشجر الذي لا شوك فيه من باب أولى .
وروى مسلم (1374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ . . . أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ . . . الحديث ) .
قال النووي :
فِيهِ : جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلْفِ , وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا بِخِلَافِ خَبْط الْأَغْصَان وَقَطْعهَا ; فَإِنَّهُ حَرَام اهـ.
والقدس ليس حرماً بهذا المعنى باتفاق المسلمين ، وقد توسع الناس في إطلاق هذا الوصف ( أعني : الحرم ) فصارت القدس حرماً ! وصار مسجد إبراهيم الخليل في فلسطين حرما ! بل صارت الجامعات يقال عنها : الحرم الجامعي !!! وليس هناك حرم في الأرض إلا حرم مكة ، والمدينة ، ووادٍ بالطائف اسمه ( وُج ) اختلف العلماء فيه هل هو حرم أم لا ؟
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/14-15) :
وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرما ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع ، إلا ثلاثة أماكن :
أحدها : هو حرم باتفاق المسلمين ، وهو حرم مكة ، شرفها الله تعالى .
والثاني : حرم عند جمهور العلماء ، وهو حرم النبي ( يعني المدينة النبوية ) فإن هذا حرم عند جمهور العلماء ، كمالك والشافعي وأحمد ، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والثالث : وُج ، وهو وادٍ بالطائف ، فإن هذا رُوِيَ فيه حديث ، رواه أحمد في المسند ، وليس في الصحاح ، وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث ، وليس حرماً عند أكثر العلماء ، وأحمد ضعف الحديث المروى فيه فلم يأخذ به .
وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين ، فإن الحرم ما حرم اللهُ صيده ونباته ، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة اهـ .
والله تعالى أعلم .