كنت أقرا مقالا على الإنترنت لشخص يدعي أنه من أهل السنة، ثم عرفت أن الشبهة أصلها شيعي، فقال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقبل نكاح المتعة إذا شهد عليه عدول، واستدل برواية "ما بال رجال يعملون بالمتعة، ولا يشهدون عدولاً، ولم يبينها إلا حددته"، وبالطبع هي روايه ضعيفة، فيها مجهول. واستدل أيضا برواية من مصنف عبد الرزاق استدل فقط بموضع الشاهد: "عن ابن جريج، عن عطاء قال: لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى قال: أخبرني، عن يعلى: استمتع عمرو بن حريث بامرأة سماها جابر فنسيتها، فحملت المرأة فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها، فقالت: نعم قال: من أشهد؟ قال: عطاء لا أدري قالت: أمي أم وليها قال: فهلا غيرهما قال: خشي أن يكون دغلا الآخر"، وهذا اسناد صحيح، لأن ابن جريج لا يدلس عن عطاء، فهنا نري أن عمر بن الخطاب قد سأل من الذي شهد على هذا النكاح، ولم ينكر عليهم ذلك، فهل هذا يدل علي أنه يبيح نكاح المتعة بشهود؟ لكن الذي يعكر ذلك أن عمر رضي الله عنه نفسه يؤخذ منه أنه قال كما ورد عن ابن عمر قال: "لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا، ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها". ويعكره أيضا ما فعله سبرة بن معبد الصحابي، والصحابي ابن عمه أيضا في فتح مكة فلم يذكروا وليا ولا شهودا. فسؤالي: هل كان سيدنا عمر يبيح زواج المتعة إذا شهد عليه عدل؛ لأنه لم ينكر في رواية مصنف عبد الرزاق، لكنه فقط سأل عن الشهود؟ وما تفسير قوله "خشي أن يكون دغلا الآخر"؟
الحمد لله.
نكاح المتعة هو النكاح المؤقت، وهو محرم باطل عند جماهير أهل العلم، وحُكي الإجماع على تحريمه، سواء كان بولي وشهود أو بدون ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/ 178): "(ولا يجوز نكاح المتعة) معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج. وشبهه، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة. فهذا نكاح باطل. نص عليه أحمد، فقال: نكاح المتعة حرام... وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء. وممن روي عنه تحريمها: عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن الزبير. قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة: مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل العراق، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وسائر أصحاب الآثار) انتهى.
وأما أثر عمر رضي الله عنه فراوه عبد الرزاق في "المصنف" (14021) عَنْ يَعْلَى، أَنَّ مُعَاوِيَةَ " اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ بِالطَّائِفِ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَدَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ لَهُ بَعْضُنَا، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فَلَمْ يَقِرَّ فِي نَفْسِي حَتَّى قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُ الْمُتْعَةَ، فَقَالَ: " نَعَمْ، اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، اسْتَمْتَعَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ بِامْرَأَةٍ، سَمَّاهَا جَابِرٌ فَنَسِيتُهَا، فَحَمَلَتِ الْمَرْأَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ أَشْهَدَ؟ قَالَ: عَطَاءٌ لَا أَدْرِي قَالَتْ: أُمِّي، أم وَلِيَّهَا، قَالَ: فَهَلَّا غَيْرَهُمَا. قَالَ: خَشِيَ أَنْ يَكُونَ دَغْلًا الْآخَرُ.
وعزاه ابن عبد البر في "التمهيد" (10/ 114) لعبد الرزاق بلفظ: " قالت: أمي وابنها، أو أخاها وابنها، قال: فهلا غيرهما، فنهى عن ذلك".
وقد روى مسلم (1405) عن أَبي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: "كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الْأَيَّامَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ".
والظاهر أن عمر سأل عن الشهود، ليعلم هل هو زنا أم نكاح متعة؟ ويدل على ذلك قوله: خشي أن يكون دغلا، أي فسادا. وقوله (الآخر): أي الأبعد.
فلما تبين أنه نكاح متعة، نهى عنها.
وأما قوله: (فَهَلَّا غَيْرَهُمَا) ففيه بيان أن النكاح لا تشهد فيه المرأة.
وليس فيه تجويز للمتعة إذا كان بشهود أو بشهادة رجلين، لكنه تمييز للمتعة عن الزنا، وإرشاد وتعليم لما يشترط في النكاح الصحيح من شهادة الرجال.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (20738)، ورقم: (226919).
والله أعلم.