هل قوله لزوجته: (قلبي وروحي لك) يعد شركًا؟

16-04-2023

السؤال 350705

إذا قلت لزوجتي ، إنّ قلبي وروحي لك. هل هذا يُعتَبر شركا؟ في النشيد الوطني لبلدي ، هناك كلمات في أغنية "سماؤك ، ريحك" ومؤلّف الأغنية يُشير إلى البلد بقوله "ك" (يعني إضافة السماء والريح للبلد). هل هذا يُعتَبر شركا؟ بما أنّ السماء والريح فقط لله وحده؟ كاتب الأغنية كان هندوسيّا وفي نفس الأغنية أشار إلى البلد على أنّها "الأمّ" ، كما يسمّي الهندوس أصنامهم بالأم ، لذلك سمعت في محاضرة أنّ هذا أيضًا شرك لأنّ كاتب الأغنية يشير إلى أصنام هندوسية عندما يسمي البلد بالأم ، لكن لا يوجد دليل على أنّ كاتب الأغنية يشير إلى ذلك. هل هناك عناصر من الشرك في هذه الاغنية أو هل غناء هذه الأغنية يُعتَبر شركا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا حرج في قول الزوج لزوجته: إنّ قلبي وروحي لك، والمراد منه بذل المحبة وحسن العشرة، وربما أراد أنه لا يشرك في محبتها سواها من النساء، وهذا كله سائغ، لا حرج فيه.

ولا يراد منه المعنى الحقيقي؛ من أن القلب يصير ملكا لها، وأبعد من ذلك ما ظنه السائل من أن روح القائل لزوجته ذلك، تصير مستعبدة لها، بناء على ما توهمه من أن اللام هنا تفيد الملك.

واللام، وإن كانت تفيد الملك، فإنها أيضا تفيد "الاختصاص"، كما يقال: هذه لي زوجة، وهذا لي صاحب، وفلانٌ لي كُلُّه؛ أي: مودته خالصة لي.

قال ابن هشام رحمه الله: " وللام الجارة اثْنَان وَعِشْرُونَ معنى:

أَحدهَا: الِاسْتِحْقَاق، وَهِي الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات، نَحْو: الْحَمد لله، و الْعِزَّة لله، وَالْملك لله، وَالْأَمر لله، وَنَحْو: ويل لِلْمُطَفِّفِينَ، ولَهُم فِي الدُّنْيَا خزي، وَمِنْه: للْكَافِرِينَ النَّار؛ أَي: عَذَابهَا.

وَالثَّانِي: الِاخْتِصَاص، نَحْو: الْجنَّة للْمُؤْمِنين، وَ: هَذَا الْحَصِير لِلْمَسْجِدِ، والمنبر للخطيب، والسَّرْج للدابة، والقميص للْعَبد، وَنَحْو: إِن لَهُ أَبَا، فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة. وقولك: هَذَا الشّعْر لحبيب [يعني: أبا تمام]، وقولك: أدوم لَك، مَا تدوم لي.

وَالثَّالِث: الْملك، نَحْو: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض.

وَبَعْضهمْ يَسْتَغْنِي بِذكر الِاخْتِصَاص عَن ذكر الْمَعْنيين الآخرين، ويمثل لَهُ بالأمثلة الْمَذْكُورَة وَنَحْوهَا ..". انتهى، من "مغني اللبيب" (275).

وبكل حال؛ فلا مدخل للشرك، أو التشريك في ذلك كله، بل توهم ذلك فيه نوع وسواس وتكلف.

ثانيا:

إضافة السماء أو الريح إلى البلد لا حرج فيه أيضا، فيقال: هذه البلدة ريحها طيب، أو سماؤها صافية، والإضافة لها معان كثيرة غير الملك، تأتي الإضافة لأدنى ملابسة، ووجهها هنا ظاهر، وهو الإضافة المكانية، وهكذا لو قيل: هذه البلدة أرضها طيبة، وأشجارها مثمرة ونحو ذلك، من باب إضافة الشيء إلى مكانه ومحله.

ومثل هذه المعاني جارية في خطاب الناس، ومعهود كلامهم، على مر الأعصار، دون نكير، ولا يحتاج إلى تكلف شاهد عليه.

ثالثا:

لا حرج في الإشارة إلى البلد بلفظ الأم، وهذا معهود في استعمال الشعراء والكتاب، فالأم بمعنى الأصل الذي نشأ فيه الإنسان.  

قال أمية بن أبي الصلت:

فالأرض معقلنا وكانت أُمَّنا ... فيها مقابرنا، وفيها نولد

ومن ذلك أيضا، قول الشاعر المعاصر، عباس محمود العقاد:

أسائلُ أمنا الأرضا * سؤال الطفل للأم

فتخبرني بما أفضى *   إلى إدراكه علمي

جزاها اللهُ من أم *    إذا ما أنجبت تئد

تعذِّي الجسمَ بالجسم * وتأكل لحم ما تلد

والأم سُمَّيت أما: لأنها أصل النسل. وسميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت منها. وسميت الفاتحة أم الكتاب لأن أم الشيء ابتداؤه وأصله. وينظر: تفسير القرطبي (1/ 112)، فتح الباري (8/ 156).

ولا يضر كون كاتب الأغنية هندوسيا- ولو كان الهندوس يسمون أصنامهم بالأم-، فالعبرة بحال المتكلم بهذا الكلام، مع أن الهندوسي أيضا وإن سمى بلده أما، فإنه لا يجعلها إلها ! فليس الأمر إلا التتشابه في التسمية، يسمى بلده أما، ويسمي صنمه أما، وهذا لا يضر.

والنصيحة لك أن تحذر الوسوسة في باب الكفر وغيره، وأن تنأى بنفسك عن سماع الشبهات، أو الموسوسين، فإن القضايا الثلاث التي ذكرتها لا يصدر شيء منها عن عالم.

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

المناهي اللفظية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب