الحمد لله.
للزوجة الحق في مسكن مستقل، لا يشاركها فيه ضرة أو قريب للزوج كوالده أو والدته، ولا يجوز إجبارها على السكن مع غيرها.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (4/ 24): " ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها، أو مع أحمائها، كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه، فأبت ذلك: عليه أن يسكنها في منزل مفرد; لأنهن ربما يؤذينها، ويضررن بها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر. ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق، ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث " انتهى.
وقال زكريا الأنصاري في منهج الطلاب، ص121: " وليس له أن يدعوهن لمسكن إحداهن، ولا يجمعهن بمسكن إلا برضاهن" انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (25/ 108): " اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الجمع بين امرأتين في مسكن واحد؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، ولأنه يؤدي إلى الخصومة التي نهى الشارع عنها.
ومنع الجمع بين امرأتين في مسكن واحد حق خالص لهما، فيسقط برضاهما عند جمهور الفقهاء.
وذهب ابن عبد السلام من المالكية إلى أن هذا الحق لا يسقط، ولو رضيت الزوجة به.
وأما الجمع بينهما في دار، لكل واحدة من الزوجتين بيت فيها [أي غرفة]: فذهب إلى جواز ذلك الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو القول الراجح عند المالكية.
واشترط الجمهور لصحة ذلك أن يكون لكل بيت مرافقه الخاصة به، وغلق يغلق به، ولا يشترط رضاهما في الجمع بينهما" انتهى.
وعلم منه أن السكن المستقل يتحقق بغرفة لها باب وقفل ، مع كنيف (بيت الخلاء) ومطبخ ، إلا أن يكونوا من الفقراء الذي يرضون بالاشتراك في المطبخ وبيت الخلاء .
قال ابن عابدين في حاشيته (3/600) موضحا ذلك: "( قوله وبيت منفرد ) أي ما يُبات فيه ; وهو محل منفرد معين ...
والظاهر أن المراد بالمنفرد: ما كان مختصا بها، ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار.
( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يُغلق ويفتح بالمفتاح ...
( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ): أي بيت الخلاء، وموضع الطبخ، بأن يكونا داخل البيت أو في الدار، لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار .
قلت : وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش، بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه، وبعض المرافق مشتركة، كالخلاء والتنور وبئر الماء" انتهى.
والحاصل:
أن للزوجة الأولى الحق في مسكن خاص بها، على ما جرت به عادتهم، ويليق بمثلها.
وليس المراد بذلك: أن تنفرد ببناية منفصلة، خاصة بها، لا يشركها فيها أحد. بل المراد: أن تكون لها شقتها الخاصة بها، بعرف الناس الآن، لا يشركها أحد في مرافقها الأساسية.
وللزوجة الأولى: رفض السكن مع الزوجة الثانية، ولها طلب الطلاق إن أصر الزوج على ذلك، ويأثم هو إذا أجبرها على المشاركة في السكن، فقد يكون الطلاق ضررا على المرأة فتقبل الاشتراك في السكن مجبرة، ويأثم الزوج بذلك؛ لما فيه من تضييع حق المرأة وإدخال الضرر عليها.
والله أعلم.