الحمد لله.
أولا:
ولاية النكاح لأقرب العصبة للمرأة، على الترتيب: ابنها، أبوها، جدها، أخوها، ثم الأقرب فالأقرب، ولا تنتقل ولاية الأب إلى غيره بحجة أنه لا ينفق على ابنته أو لا يؤدبها؛ بل تبقى ولاية الشرعية ثابتة له، مع ذلك.
ثانيا:
ولاية الأب على ابنته في غير النكاح –أي في الولاية على النفس- تنتهي ببلوغها، أو بزواجها، على قولين لأهل العلم.
ومعنى انتهاء الولاية: أنه يجوز أن تنفرد بالسكنى مثلا عن أبيها، لكنها ملزمة بطاعته في غير المعصية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (8/ 204): "انتهاء الولاية على النفس بالبلوغ:
عند الحنفية: تنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النساء من الحيض ونحوه، ويضمها الأب إلى نفسه، وإن لم يخف عليها الفساد، لو كانت حديثة السن.
والأخ والعم كذلك عند فقد الأب ما لم يخف عليها منهما، فينظر القاضي امرأة ثقة فتسلم إليها، وتنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنة، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبت، حيث لا خوف عليها، وإن ثيبا لا يضمها إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها، فللأب والجد الضم، لا لغيرهما كما في الابتداء.
وعند المالكية: تنتهي الولاية على النفس بالنسبة للصغير ببلوغه الطبيعي، وهو بلوغ النكاح، فيذهب حيث شاء...
وبالنسبة للأنثى، فتستمر الحضانة عليها، والولاية على النفس حتى تتزوج، ويدخل بها الزوج.
وعند الشافعية: تنتهي الولاية على الصغير - ذكرا كان أو أنثى - بمجرد بلوغه.
وعند الحنابلة: لا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه، فأما البالغ الرشيد فلا حضانة عليه، فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عن أبويه. وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب، فلوليها وأهلها منعها من ذلك." انتهى.
وفي تقرير مذهب الحنابلة، قال في "كشاف القناع" (5/ 499): "(ولا تثبت الحضانة على البالغ الرشيد العاقل)؛ لأنه استقل بنفسه، وقدر على إصلاح أموره بنفسه؛ فوجب انفكاك الحجر عنه.
(وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه) ؛ لأنه لم تثبت الولاية عليه لأحد.
(فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه، إلا أن يكون أمرد يُخاف عليه الفتنة، فيمنع من مفارقتهما) دفعا للمفسدة. (ويستحب) للولد (ألا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما)....
(وإن كانت جارية فليس لها الانفراد) بنفسها، (ولأبيها، وأوليائها عند عدمه [يعني: عن عدم الأب] منعها منه)، أي من الانفراد ؛ لأنه لا يؤمن عليها أن تُخدع "...
وقال: "(والجارية إذا بلغت سبع سنين فأكثر: فعند أبيها، إلى البلوغ) وجوبا، (وبعده) أي البلوغ تكون (عنده) أي الأب (أيضا إلى الزِّفاف)... (وجوبا، ولو تبرعت الأم بحضانتها) ؛ لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ لها، وإنما تخطب منه ؛ فوجب أن تكون تحت نظره ليؤمن عليها من دخول النساء، لكونها معرضة للآفات، لا يؤمن عليها للانخداع لغرتها، ولأنها إذا بلغت السبع، قاربت الصلاحية للتزويج، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت سبع، ولا يصار إلى تخييرها ؛ لأن الشرع لم يرد به فيها.
(ويمنعها) الأب (من الانفراد، وكذلك من يقوم مقامه)؛ لأنها لا تؤمن على نفسها." انتهى.
وقد تبين بهذا أن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة على أن المرأة تبقى في بيت أبيها، ولو بلغت؛ إلى زواجها عند المالكية والحنابلة، أو إلى أن تصير مسنة صاحبة رأي.
وما دامت في بيت أبيها، فإنها لا تخرج إلا بإذنه، فإن أذن الأب إذنا عاما، أو فوض الأمر لأخيها، فلا بأس، لكن إن أمرها والدها بشيء مباح، لزمها طاعته.
وعليه؛ فإذا كانت لا يهتم بها والدها، ولا يلتفت لخروجها ودخولها، فإنها تستأذن أخاها؛ لأنه له نوع ولاية عليها، والغرض تحصيل مقصد الشرع من الولاية، والرعاية.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (8190).
والله أعلم.