سؤالي عن مستجدات شروط خدمة موقع يوتيوب الجديدة التي تلقيناها قبل أسبوعين وكصناع محتوى نحن ملزمون بقبولها. أحد بنودها يعطي الحق لموقع يوتيوب بوضع إعلانات على فيديوهاتي والتربح من خلال ذلك حتى دون موافقتي ودون اشتراكي في برنامج الإعلانات (التربح يكون لأصحاب موقع يوتيوب فقط وليس لي، لكن الإعانة على الإثم والعدوان لا تزال قائمة بما أن متابعي قناتي سيرون إعلانات يوتيوب المليئة بالمخالفات الشرعية). فما حكم نشر محتواي على يوتيوب مستقبلا. وما حكم إبقاء فيديوهاتي القديمة لأن جميع المحتوى سيتأثر بالإعلانات؟ أفتونا مشكورين.
الحمد لله.
أولًا:
الأصل منع المساهمة والمشاركة في نشر أي إعلان يتضمن شيئًا من المنكرات أو دعوة إليها؛ لما في النشر من الإعانة على نشر المعصية، وتعريض المشاهد لرؤية المعصية، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .
وعلى ذلك؛ إذا تمكن صاحب المحتوى من منع الإعلانات بالكلية، أو منع الإعلانات التي يغلب على الظن وجود مخالفات شرعية بها، ولو باشتراك مالي يقدر عليه من غير ضرر: لزمه ذلك، ولم يجُز له السماح بفتح الإعلانات على محتواه، وما يجره من نشر المنكر.
ومثل ذلك لو تحققت المصلحة الشرعية من نشر محتواه عبر مكان آخر، لا يلزمه بهذه الإعلانات ونحوها من المنكرات: تحول إليه، ولم يشارك في دعم الأماكن التي يكثر فيها المنكر.
فإذا لم يمكن منع المحتوى الإعلاني، ولا التحكم فيه، ولو بدفع مال يقدر عليه صاحب المحتوى؛ وكان المحتوى نافعا، ومصلحة نشره على "اليوتيوب" راجحة، فالذي يظهر أنه لا حرج عليه في ذلك، وإثم المنكر فيه: إنما هو على من عمله، ونشره. ولا تترك المصلحة الراجحة، من تعليم الناس، ونفعهم، ودعوتهم، وهدايتهم، لأجل ما فيه من منكر الإعلانات؛ وذلك لما يلي:
-الإعلانات التي تظهر في مقاطع الفيديو من البلاء الذي عمَّ وانتشر، بحيث يعسر التحرز عنه إلا بمشقة زائدة.
-وصاحب القناة أو ناشر الفيديوهات لا يد له في هذه الإعلانات، ولا قدرة له على التحكم بها أو تقييدها.
-والامتناع عن النشر سيؤدي إلى ترك الساحة مرتعًا لنشر المنكرات والتفاهات.
-ومزاحمة الباطل ومكاثرته بالمفيد النافع، وحتى المباح، من المقاصد المعتبرة شرعًا.
قال الشاطبي رحمه الله تعالى: "القواعد المشروعة بالأصل، إذا داخلتها المناكر؛ كالبيع والشراء، والمخالطة والمساكنة إذا كثر الفساد في الأرض، واشتهرت المناكر، بحيث صار المكلف عند أخذه في حاجاته وتصرفه في أحواله، لا يسلم في الغالب من لقاء المنكر أو ملابسته ... إن فُرِض الكف عن ذلك أدى إلى التضييق والحرج، أو تكليف ما لا يطاق، وذلك مرفوع عن هذه الأمة؛ فلا بد للإنسان من ذلك، لكن مع الكف عما يستطاع الكف عنه، وما سواه؛ فمعفو عنه لأنه بحكم التبعية، لا بحكم الأصل" انتهى. "الموافقات" (3 / 526 – 527).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي وجهاد وإمارة ونحو ذلك فلا بد أن يفعل شيئا من المحظورات. فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين. فإن كان المأمور أعظم أجرا من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة؛ وإن كان ترك المحظور أعظم أجرا لم يفوت ذلك برجاء ثواب بفعل واجب يكون دون ذلك؛ فذلك يكون بما يجتمع له من الأمرين من الحسنات والسيئات؛ فهذا هذا. وتفصيل ذلك يطول.". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (28/168).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (241060)، ورقم (119222).
ثانيًا:
يلزم كلَّ من يشاهد مقاطع الفيديو في اليوتيوب وغيره أن يتخذ ما يستطيع من إجراءات وسبل تؤدي لمنع ظهور هذه الإعلانات، وهذا ممكن ومتاح من خلال بعض البرامج أو الطرق التي يعرفها أهل الخبرة، ويمكن الوصول لها بيسر وسهولة.
ثالثًا:
المال الذي يكتسبه صاحب القناة أو ناشر الفيديوهات بسبب الإعلانات هو مال اختلط فيه الحلال والحرام، ويلزمه أن يقدِّر نسبة الحرام فيها بحسب ما يغلب على ظنه، ويتخلَّصَ منها بالتصدق على الفقراء والمساكين، فإن تعذر عليه التقدير احتاط بما تبرأ به ذمته.
رابعًا:
أما من ينشر محتوًى ليس فيه فائدة معتبرة شرعا، ولا تتعلق به حاجة الناس في دينهم أو دنياهم، ولا هدف له إلا التربح من الإعلانات، فلا يجوز له سلوك هذه الطريق للتكسب؛ لأنه ربحٌ مشوبٌ بارتكاب الحرام، وليس ثمَّة مصلحةٌ توازي أو تفوق تلك المفسدة ليرخص له بهذا العمل.
والله أعلم