في بيتنا أحد أفراد العائلة يختلط بالكلاب، يلمسهم، ويلعقونه، وعندما نخبره بأن عليه أن يتطهر يستهزئ، ويرفض ذلك، ولأنه لا يصلي فلا يهمه ذلك. سؤالي : فهل تنتقل النجاسة منه إلينا؛ لأنه كما قلت يعيش معنا في نفس البيت، فيحدث أن يلامسنا، ويلامس أغراضنا في المنزل، بل وقد تكون يداه مبللتان كما تعلمون في الحمام إذا ما أمسك بصنبور الماء مثلا، أو أواني المطبخ المبللة وما شابه؟ وهل تنتقل النجاسة بهذا الشكل؟ وكيف نتحرز من انتقال هذه النجاسة، علما بأن ذلك فيه مشقة فكيف لنا أن نطهر كلما تقع يداه عليه؟ مع العلم إني موسوسة في الطهارة، وأحافظ على طهارتي وصلاتي ـ ولله الحمد ـ، وهذا الأمر يشعرني بالضيق، وبدأت أنفر من هذا الشخص مع إنه من عائلتي للأسف.
الحمد لله.
أولا:
سبق بيان نجاسة لعاب الكلب، كما في جواب سؤال : (اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله)، وسؤال: (يتبع المذهب المالكي في القول بعدم نجاسة لعاب الكلب).
ثانيا:
انتقال النجاسة من شخص إلى آخر لا يحكم بها إلا بعلم أو بغلبة ظن.
قال القرافي رحمه الله تعالى:
" قاعدة: الأصل ألا يعتبر في الشرع إلا العلم، لقوله تعالى: ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) لعدم الخطأ فيه قطعا، لكن تعذّر العلم في أكثر الصور، فجوز الشرع اتباع الظنون لندرة خطئها وغلبة إصابتها، وبقي الشك على مقتضى الأصل، فكل مشكوك فيه ليس بمعتبر، ويجب اعتبار الأصل السابق على الشك... " انتهى من"الذخيرة" (1/ 218–219).
ومجرد الشك والوسوسة: لا عبرة بهما، كما يدل حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ؟
فَقَالَ: لاَ يَنْفَتِلْ - أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رواه البخاري (137)، ومسلم (361).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (4/49).
وعليه؛ فلا يحكم بانتقال نجاسة لعاب هذه الكلاب ، من يد الرجل الذي يلابسها ، إلى كل مكان وشيء لمسه؛ لأنه يحتمل جدا أن تكون يده جافة عند لمسه للأشياء.
ذكر السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه "الأشباه والنظائر" (ص432)، أنّ: " النجس إذا لاقى شيئا طاهرا، وهما جافان: لا ينجسه" انتهى.
وراجعي للفائدة جواب سؤال: (النجاسة اليابسة لا تنتقل لمن لمسها). وجواب سؤال: (له عدة أسئلة حول انتقال النجاسة)
ويحتمل أن يكون قد زال أثر النجاسة من يده بالغسل.
بل لا يلزم من مجرد ملابسة الكلاب، أن يكون لابس لعابها، أو لزق بيده أو بدنه شيء منه ، ثم بقي عليه لم يزله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" مع الشك: فالأصل في ذلك الطهارة، والاحتياط في ذلك وسواس؛ فإن الرجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا، ويجوز أن يكون نجسا: لم يستحب له التجنب على الصحيح، ولا الاحتياط؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر هو وصاحب له بميزاب، فقطر على صاحبه منه ماء. فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: ( يا صاحب الميزاب لا تخبره فإن هذا ليس عليه ) " انتهى من"مجموع الفتاوى" (21/521).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (5/365):
" الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يحكم على شيء أو محل بأنه نجس إلا بدليل يدل على أن هذا الشيء نجس، وأن هذه النجاسة المنصوص عليها موجودة في هذا المحل، وإذا لم يتحقق هذان الأمران فإن المسلم يصلي وتكون صلاته صحيحة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
فالحاصل: أنه لا يحكم بنجاسة شيء في بيتكم إلا إذا علمت أن هذا الرجل قد لمسه، وأن يده ما زالت مبللة لم تجف من لعاب الكلب، أو لمس شيئا مبللا ويده مازال بها أثر اللعاب.
والله أعلم.