الحمد لله.
يجب على الزوج أن يعدل بين نسائه في القسم، فيبيت عند هذه كما يبيت عند الأخرى.
وأساس القسم: الليل، والنهار تبع له، ويتسامح في خروج الرجل نهارا للحاجة والعمل، لأن النهار وقت المعاش.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ. لَا خِلَافَ فِي هَذَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلسَّكَنِ وَالْإِيوَاءِ، يَأْوِي فِيهِ الْإِنْسَانُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَيَسْكُنُ إلَى أَهْلِهِ، وَيَنَامُ فِي فِرَاشِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ عَادَةً ، وَالنَّهَارَ لِلْمَعَاشِ ، وَالْخُرُوجِ، وَالتَّكَسُّبِ ، وَالِاشْتِغَالِ ...
وَالنَّهَارُ يَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ تَبَعًا لِلَّيْلِ ؛ بِدَلِيلِ قول عَائِشَة : (قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي ، وَفِي يَوْمِي) وَإِنَّمَا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَارًا ...
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ نِسَائِهِ فِي زَمَانِهَا: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ، أَوْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ، أَوْ آخِرِهِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِانْتِشَارِ فِيهِ ، وَالْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ : جَازَ ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَلِصَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِهِ ، وَأَمَّا النَّهَارُ ، فَهُوَ لِلْمَعَاشِ وَالِانْتِشَارِ .
وَإِنْ خَرَجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ عَادَ ، لَمْ يَقْضِ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَضَاءِ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَقَامَ ، قَضَاهُ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ إقَامَتُهُ لَعُذْرٍ؛ مِنْ شُغْلٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا قَدْ فَاتَ بِغَيْبَتِهِ عَنْهَا" انتهى من "المغني" (10/242، 243)
وقال أيضا:
"وَأَمَّا الدُّخُولُ فِي النَّهَارِ إلَى الْمَرْأَةِ فِي يَوْمِ غَيْرِهَا ، فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ ، مِنْ دَفْعِ النَّفَقَةِ ، أَوْ عِيَادَةٍ ، أَوْ سُؤَالٍ عَنْ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، أَوْ زِيَارَتِهَا لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهَا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيَّ فِي يَوْمِ غَيْرِي ، فَيَنَالُ مِنِّي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ .
وَإِذَا دَخَلَ إلَيْهَا لَمْ يُجَامِعْهَا، وَلَمْ يُطِلْ عِنْدَهَا ... فَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامَ عِنْدَهَا ، قَضَاهُ" انتهى.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
"إن كان حاضرا ، فشُغل عن المبيت عندها : ابتدأ القسم ، كما يبتدئه القادم من الغيبة ، فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها...
وإن كان عندها بعض الليل ، ثم قدم ، ابتدأ ، فأوفاها ما بقي من الليل ، ثم كان عند التي تليها في آخر الليل ، حتى يعدل بينهن في القسم" انتهى من "الأم" (5/281).
وبنظر جواب السؤال رقم: (153902).
وعلى هذا ، إذا سافر الزوج ، ثم عاد ؛ فإنه يعود إلى من كان عندها قبل السفر ليتم لها ما بقي من حقها الذي فات بسبب السفر ، ثم يقسم بعد ذلك .
حتى ذكر العلماء رحمهم الله أنه إذا رجع الزوج، وكانت النوبة على من سافر بها ؛ فإنه يبدأ بها، ولا يحتسب عليها بمدة السفر.
قال البهوتي رحمه الله :
"( وَيَقْسِمُ ) الزَّوْجُ ( لِمَنْ سَافَرَ بِهَا ) مِنْ زَوْجَاتِهِ ( بِقُرْعَةٍ إذَا قَدِمَ ) مِنْ سَفَرِهِ ( وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِمُدَّةِ السَّفَرِ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَلَمْ تَذْكُرْ قَضَاءً" انتهى من "كشاف القناع" (5/228) .
والله أعلم .