هل هناك أدعية ثابتة صحيحة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ الله تعالى بها العبد في أرض المحشر، وعند الحساب، وعند الحوض، وعند تطاير الصحف، وعند الميزان، وعند الصراط، وعند باب الجنه حتي يدخل الجنة برحمة الله تعالى؟ أم أن الأمر مطلق يدعو العبد بما شاء من أدعية، وما هو طيب، ويأتي علي خواطر العبد؟
الحمد لله.
أولا:
ينبغي أن يعلم أن سبب نجاة العبد وأمنه في أهوال القيامة هو إيمانه وعمله الصالح، وملازمته للتوبة والاستغفار، فقد علق عليها الشرع حصول الأمن في ذلك اليوم العصيب.
قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الأنعام/82.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/294).
وقال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس/62 -64.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم فقال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال.
(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
ثم ذكر وصفهم فقال: (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم، باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي.
فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله تعالى وليا، و لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ .
أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.
وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ .
وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم.
وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم" انتهى من "تفسير السعدي" (ص368).
وقال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا الإنشقاق/7-9.
ثانيا:
لا شك أن من الأعمال الصالحة الدعاء بالنجاة في ذلك اليوم العظيم، فللعبد أن يجتهد في الدعاء بذلك بأي لفظ مشروع من غير تكلف ولكن بإخلاص.
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: (كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟)
قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ) رواه أبو داود (792)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (792).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
"ومن أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ ) يعني: حول سؤال الجنة والنجاة من النار" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/404).
وظاهر الحديث أن هذا الصحابي لم يلتزم صيغة دعاء سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، بل دعا بما خطر على قلبه من طلب النجاة في الآخرة، بسؤال الجنة والنجاة من النار، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ولأهمية الدعاء بالنجاة في أهوال القيامة رتب الشرع أدعية يقولها العبد في يومه وليلته.
ومن ذلك ما ورد في أذكار الصباح والمساء من سؤال العافية في الآخرة.
روى أبو داود (5074) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ، حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي .
وسنّ التعوذ من فتنة عذاب القبر والممات في دبر كل صلاة.
روى البخاري (1377)، و مسلم(588) واللفظ له؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ .
وسنّ الدعاء قبل النوم بالرحمة إن توفي.
وروى البخاري (6320 )، ومسلم (2714) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ .
وبالدعاء بالوقاية من العذاب عند البعث.
روى الإمام أحمد في "المسند" (44/ 63-64) عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، وَقَالَ: (رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، ثَلَاثًا). وصححه محققو المسند.
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم: (238149).
والحاصل:
أن خير ما التزمه العبد: هو الأدعية والأذكار المأثورة ... لكنه لو دعا لنفسه بما أحب، مما يلائم مقصوده ومطلوبه من رب العالمين، فلا حرج عليه، ولا تضييق.
والله أعلم.