حقيبة سفر كبيرة لأشخاص نعرفهم، هاجروا، وتركوها عندنا أمانة، ولم يسترجعوها بعدما استقروا في بلد المهجر، مرت ٦سنوات، طلبنا منهم أن يأخذوها، لم يستجيبوا، وطالبونا بأن نرسلها لهم، وندفع تكاليف الإرسال، ونحن غير قادرين على ذلك، في حين إن وضعهم يسمح لهم بأن يأخذوها، مرت سنوات أخرى، ولم يطالبوا بها، وانقطع التواصل بهم، داخل الحقيبة ألبسة، وأدوات كهربائية قد تتعرض للتلف بسبب الرطوبة، ونحن نعاني من نقلها معنا من بيت لآخر عند تغيير السكن، إضافة لعبء مسؤولية الأمانة. فهل يحق لنا التصرف بها، مثل توزيع ما بداخلها لمن يستحق؛ لأنهم لم يسألوا عنها؟
الحمد لله.
الأصل في الأمانات أن تحفظ حتى تؤدى إلى أصحابها كاملة.
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا النساء/58.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار " انتهى من "تفسير السعدي" (ص183).
وبناء على هذا؛ إن كنت ترى أنك إذا بحثت عنهم عبر الأصدقاء والمعارف ممكن أن تصل إلى رقم هاتفهم ونحو هذا، فينبغي عليك في هذه الحال أن لا تتصرف في هذه الوديعة إلا بعد مشورتهم، لأنك تستطيع استئذانهم.
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
وأما إذا انقطعت أخبارهم نهائيا، ويئست من الوصول إليهم وكان هناك ضرر في بقاء هذه الحقيبة عندكم كتلف محتوياتها، فهنا لك أن تدفع الضرر عنك ، بأن تتصدق بها عنهم .
ولو سلمتها إلى أحد من أهل العلم أو أحد الأمناء الثقات ليتولى هو توزيعها ، أو على الأقل تشهده على توزيعها والصدقة بها ، فهو أحسن، حتى تبرئ ذمتك أمام أصحابها إذا طلبوها يوما ما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" المال إذا تعذر معرفة مالكه صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء، كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوارٍ أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية.
ومن الفقهاء من يقول: توقف أبدا حتى يتبين أصحابها؟
والصواب الأول. فإن حبس المال دائما لمن لا يرجى لا فائدة فيه؛ بل هو تعرض لهلاك المال واستيلاء الظلمة عليه. وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن فخرج فلم يجد البائع، فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن، ويقول: اللهم عن رب الجارية، فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فهو لي، وعلي له مثله يوم القيامة. وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة وتاب بعد تفرقهم أن يتصدق بذلك عنهم، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/321).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وقوله: "وإن جهل ربه" أي: رب المغصوب أي: مالكه، فهل يقال هذا في كل مال مجهول صاحبه؟
الجواب: نعم، كوديعة أودعها الإنسان ثم نسي الذي أودعها إياه، فنقول: إذا نسيت وأيست تصدق به مضمونا، كذلك لو أن إنسانا يعمل خياطا وأعطاه شخص ثوبا ليخيطه وذهب الرجل وأيسنا منه، فماذا يصنع الخياط في هذا الثوب؟ يتصدق به مضمونا...
فالقاعدة إذا: (كل من بيده مال جهل صاحبه وأيس من العثور عليه فله أن يتصدق به بشرط الضمان) " انتهى من"الشرح الممتع" (10/195).
وينظر للفائدة جواب السؤال (141623)، (273235)
والله أعلم.