ظهرت في الفترة الأخيرة مصطلح رموز غير قابلة للاستبدال nfts، وفكرتها باختصار: أنك تقوم برسم صورة، أو تضع صورة عادية، وتعرضها على موقع، ويتم شراؤها من قبل الناس، وتصل لمبالغ عالية جدا، والسبب يكمن أن الصورة يكون لها مالك واحد فقط، وهو الذي يمتلك النسخة الأصلية، فما الحكم التعامل بهذه الرموز؟ وهل يجوز بيعها أو شراؤها؟
الحمد لله.
أولا:
الـ NFTs هي اختصار لـ non-fungible tokens أو رموز غير قابلة للاستبدال، فهي أصول رقمية، كل منها له قيمة مختلفة لا يمكن استبدالها بأصول أخرى.
فتمنح الـ NFTs شخصا إثبات ملكية أصل رقمي: (صورة أو مقطع فيديو أو رسم أو تغريدة أو مقطع موسيقي)، بحيث يمكنهم تحقيق الدخل من الملكية أو الحق في الامتلاك.
وتعتمد NFT على تقنية بلوكشين blockchain، فمن السهل تتبعها بشفافية والتحقق من صحتها وأصالتها، حيث تسجل التقنية التاريخ الكامل لجميع مالكيه.
ويمكن لأي إنسان إنشاء صورة أو ملف GIF بأي طريقة، بما في ذلك أي تطبيق من تطبيقات الرسم، أو تعديل الصور، أو حتى برنامج الرسام في ويندوز، لكن على المستخدم اختيار الشكل أولا – يمكن أن يكون أي نوع من الملفات الرقمية – بما في ذلك النص أو الفيديو، وكلما كانت فريدة من نوعها، كان ذلك أفضل.
وإذا أراد أن يبيع الإنسان ما أنتجه من ذلك، سيحتاج إلى معرفة العملة الرقمية التي ترغب في ربط الـ NFT الخاص به معها، وتعتبر إيثريوم هي العملة المشفرة الأكثر استخداما من قبل منصات NFTs، وربما يحتاج المستخدم إلى بعض عملات الإيثر أو الإيثيريوم لطرح الـ NFT الخاص به في أحد المتاجر، حيث تفرض هذه المتاجر رسوما على ذلك.
وينظر: https://bit.ly/3DKlbjQ
ومما وقفنا عليه بشأن هذه الرموز أو الأصول الرقمية، أن من اشتراها يمكنه أن يبيعها، دون أن يحصل على حق النشر، بل يظل حق النشر مع المنتِج الذي قام بتصميم ذلك العمل، والذي بدوره يحصل على عمولة عندما يتم ببيع الـ NFT مرة أخرى.
وينظر:
ثانيا:
للحكم على بيع هذه الرموز أو الأصول الرقمية، ينبغي اعتبار ما يلي:
1-أنه لا يجوز بيع ما هو محرم كصور ذوات الأرواح، ولا يجوز رسمها كذلك، كما لا يجوز بيع المقاطع الموسيقية والأفلام المشتملة على صور النساء وما هو محرم.
2-أن الإسراف والتبذير محرمان؛ لقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
وذم الله تعالى التبذير فقال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26-27.
قال المناوي في "فيض القدير" (1/50): " والسرف صرف الشيء فيما ينبغي، زائدا على ما ينبغي. والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" انتهى.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، كما روى البخاري (2408)، ومسلم (593) فعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ).
وهذه الأصول الرقمية قد تباع بملايين الدولارات، رغم تفاهتها في كثير من الأحيان، كبيع تغريدة على تويتر، أو بيع صورة لكلب، وقد دفع أحد الأشخاص ما يقرب من 390 ألف دولار مقابل مقطع فيديو مدته 50 ثانية، كما دفع شخص آخر 6.6 مليون دولار مقابل مقطع فيديو، واشترى أحد الأشخاص تغريدة لجاك دورسي مؤسس تويتر مقابل ما يقرب من 3 مليون دولار!!
3-أن الأصل أن من امتلك الصورة أو المقطع، جاز له بيعه، ولا حق لمنتِجه في أخذ شيء من ربحه، حتى لو بقي له حق الإنتاج والابتكار، فهذا يحفظ له الحق الأدبي بحيث لا ينسب العمل لغيره، أو يتيح له أن ينتج نسخا أخرى من الصورة أو المقطع ثم يبيعها، ونظرا لمنع ذلك في نظام الـ NFTs فإنهم يلجؤون إلى تربيحه بهذه الطريقة، فيربح كلما بيع أصله الرقمي! ولا نعلم لذلك مستندا شرعيا، فهو أكل للمال بالباطل.
4-أن هذا النوع من الشراء يغلب عليه التباهي والتفاخر وحب الظهور، وكل ذلك مذموم شرعا.
ولهذا لا ينبغي التعامل مع الـ NFTs لا بيعا ولا شراء.
والله أعلم.