الحمد لله.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة، وهو قول الشافعي في القديم، وأحد الأقوال عن مالك: إلى أن الخلوة الصحيحة تقرر المهر كاملا، كالدخول، وبهذا قضى الخلفاء الراشدون.
روى البيهقي في سننه عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في المرأة يتزوجها الرجل: أنه إذا أُرخيت الستورُ، فقد وجب الصداق .
وعن الأحنف بن قيس أن عمر وعليا رضى الله عنهما قالا : (إذا أغلق بابا ، وأرخى سترا: فلها الصداق كاملا ، وعليها العدة) قال الألباني في "إرواء الغليل" (1937): "رجاله ثقات" .
وروى ابن المنذر في "الأوسط" (7273) عن الوليد بن أبي مالك قال: جمع عمر رضي الله عنه نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم معاذ بن جبل، فأجمع رأيهم: أنه إذا أغلق بابا، أو أرخى سترا، فقد وجب المهر.
ويشترط في هذه الخلوة ألا تمنعه نفسها، فإن منعته نفسها، فليس لها إذا طُلقت إلا نصف المهر، كغير المخلي بها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/157) : "وإن خلا بها، فمنعته نفسها: لم يكمل صداقها..
أومأ أحمد إلى أنها إذا نشزت عليه، أو منعته نفسها لا يكمل صداقها؛ وذلك لأنه لم يوجد التمكين من جهتها ، فأشبه ما لو لم يخل بها " انتهى .
وقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ: " إذا خلا الرجل بالمرأة، فمنعته نفسها من الوطء ولم يطأها؛ لم يستقر مهرها في مذهب الإمام أحمد - الذي ذكره أصحابه: كالقاضي أبي يعلى وأبي البركات وغيرهما - وغيره من الأئمة الأربعة: مالك والشافعي وأبي حنيفة.
وإذا اعترفت بأنها لم تمكنه من وطئها، لم يستقر مهرها باتفاقهم" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (32/201).
وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله في "الإنصاف" (21/227): "فعلى المذهب ، يتقرر المهر كاملا إن لم تمنعه؛ بشرط أن يعلم بها" انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (13/322): "يشترط في الخلوة – يعني على مذهب الإمام أحمد - أن تكون المرأة مطاوعة، وأن يكون عالماً بها، وأن يكون قادراً على الوطء" انتهى.
وعلى هذا فإذا منعتك من الوطء، ولم يحصل بالفعل؛ فليس لها إلا نصف المهر.
وإذا سمحت المرأة بشيء من النصف، فلا حرج في قبوله.
ويجوز للرجل في مثل هذه الحال أن يلجئ المرأة للخلع، ليسترد جميع المهر.
والله أعلم.