الحمد لله.
أولا:
من شروط الدعاء المستجاب أن يكون الداعي صادقا في توجهه إلى الله تعالى بأن يتيقن بأن الله تعالى يجيب الداعي إذا دعاه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) رواه الترمذي (3479)، وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/141).
والمسلم في دعائه يعلم أنه يتعبد الله تعالى بذلك الدعاء، فالدعاء عبادة.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ. وَقَرَأَ: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) سورة غافر: (60) رواه أبو داود (1479) والترمذي (2969) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 194).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد قال تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن أبو داود وغيره: ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )، ثم قرأ قوله تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
وقد فسر هذا الحديث مع القرآن بكلا النوعين: ( ادْعُونِي ) أي اعبدوني وأطيعوا أمري؛ أستجب دعاءكم.
وقيل: سلوني أعطكم، وكلا المعنيين حق " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 / 313).
فينبغي للمسلم أن يكثر من دعاء الله تعالى، ويلح فيه، لا أن يدعو مرة أو مرتين ثم يهجر الدعاء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ ! اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ) رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679) واللفظ له.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومعنى قوله ( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ) أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه " انتهى من " فتح الباري " (11/140).
والمسلم يدعو على طمع، وحسن ظن بأن الله تعالى سيستجيب له ، إلا أن هذه الاستجابة على أنواع ثلاثة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه: ( مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ). ولأحمد من حديث أبي هريرة: ( إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ ). وله في حديث أبي سعيد رفعه: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ) وصححه الحاكم " انتهى من "فتح الباري" (11/ 95–96).
والعلاج في مثل مسألتك ليس بواجب فيجوز للمسلم أن يصدق في توكله على الله تعالى ويكتفي بالدعاء.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (81973).
ثانيا:
على جميع المسلمين أن يتوجهوا إلى الله تعالى بالدعاء مع اليقين بالإجابة، مهما كانت ذنوبهم، فهم كلهم داخلون في خطاب الله تعالى:
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55–56.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاهٍ. " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 292).
فالله تعالى قد يجيب المذنب والكافر فكلهم عباده وهو سبحانه وتعالى ربهم يتولاهم بنعمه.
قال الله تعالى عن المشركين:
(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) العنكبوت/65-66.
وقال الله تعالى عنهم أيضا:
(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) الإسراء/67.
وقال الله تعالى:
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللَّجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عمّا سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر... " انتهى من "تفسير القرطبي" (16/ 193).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم ، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا وكان الإنسان كفورا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/206).
وإجابة الله لعموم الخلق، مؤمنهم وكافرهم، مردها إلى مشيئة رب العالمين، فإنها من الرزق، والله يرزق من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (179441).
وليس هناك في الشرع وعد عام بحصول الإجابة، لكل من دعا، ولو كان كافرا.
ولعل السائل اشتبه عليه ذلك، بدعوة المظلوم، ووعد الله تعالى بإجابتها، ولو كان المظلوم كافرا.
وهذه حال خاصة، وسبب خاص للإجابة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(350119)، ورقم: (291659)، ورقم:(177561).
وإذا كان العباد مأمورين بدعاء الله تعالى ، وطلب حوائجهم إليه ، وإحسان الظن بإجابته ؛ فهم كذلك مأمورون بالخروج من الذنوب والتوبة منها، فآكل الحرام يقال له: كما أن الدعاء سبب للرزق، وقضاء الحاجات؛ فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
وصاحب المعاصي، والعدوان، يقال له: خف على نفسك؛ فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(5113)، ورقم:(315518).
والله أعلم.