الحمد لله.
اليمين المعتبرة المنعقدة ، هي اليمين التي ينويها صاحبها ويقصدها، وأما التي تقع من غير قصد، فهي لغو، لا كفارة فيها على الحانث.
قال الله تعالى:
( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة (89).
وقال الله تعالى:
( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) الأحزاب (5).
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو، فقال ابن عباس: هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين.
قال المروزي: لغو اليمين التي اتفق العلماء على أنها لغو هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، في حديثه وكلامه غيرَ معتقد لليمين ولا مريدها.
وروى ابن وهب: عن يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( أيمانُ اللَّغوِ ما كان فى المِراءِ، والهَزلِ، والمُزاحَةِ، والحديثِ الَّذِى لا ينعقد عَلَيه القَلبُ ).
وفى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لاَ وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ ) " انتهى. "تفسير القرطبي" (4 / 17).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" لغو اليمين، وأنه قول الرجل في الكلام من غير قصد: لا والله، بلى والله، وهذا مذهب الشافعي، وقيل: هو في الهزل. وقيل: في المعصية. وقيل: على غلبة الظن وهو قول أبي حنيفة وأحمد. وقيل: اليمين في الغضب. وقيل: في النسيان. وقيل: هو الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، واستدلوا بقوله: ( لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ).
والصحيح أنه اليمين من غير قصد؛ بدليل قوله: ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ) أي: بما صممتم عليه من الأيمان وقصدتموها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (3 / 173).
وبناء على هذا؛ فاليمين التي لا تقصدها، وإنما تجري على اللسان من غير قصد بسبب تعودك عليها، ولم تنو الحلف: فهذه لا كفارة فيها.
وأما اليمين التي تقصدها وتتعمدها، ففيها كفارة، سواء قصدت الالتزام بها، أو أردت بها التهديد.
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" عندنا عادة إذا أراد أحدنا أن يهدد ابنه أو أخاه الذي أصغر منه أو عدوه قال: (والله لأذبحك) وهو في هذه الحالة يريد التهديد، فما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا حلف اليمين بالله أن يذبح ابنه، فلا يجوز له أن يذبحه، ويجب عليه كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (23 / 149).
والله أعلم.