طلقت زوجتي ثلاثا، وتزوجت شخصا آخر برغبة من الطرفين، بولي، ولكن بلا إيجاب، ولا قبول، وشاهد واحد فقط، ثم طلقها بعد الدخول بها، فهل يجوز لي أن أتزوجها بعد انقضاء عدتها؟ علما بأنني سمعت أن النكاح الفاسد لا يحلل الزوجة لزوجها الأول.
الحمد لله.
أولا:
الإيجاب أن يقول الولي: زوجتك أو أنكحتك ابنتي، والقبول أن يقول الخاطب: قبلت.
وينعقد النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج عند الحنفية والمالكية، والراجح أنه ينعقد بكل ما يدل عليه كما لو قال: جوزتك ابنتي، أو ملكتك ابنتي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فالقاعدة أن جميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفاً، سواء كانت باللفظ الوارد أو بغير اللفظ الوارد، وسواء كان ذلك في النكاح أو في غير النكاح، هذا هو القول الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 40).
فقولك: إن النكاح تم بلا إيجاب وقبول، إن أردت أنه تم بغير لفظ النكاح والتزويج، فقد علمت أنه يصح بذلك.
وإن أردت أنه تم بغير لفظ أصلا، كأن جيء بورقة فوقعا عليها دون تلفظ، فإن النكاح لا يصح.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/85): "س: أنا من المغرب العربي مسلم، تزوجت من مصر ونظرا لأنني أعتبر أجنبيا في مصر، فإن الأجنبي يعقد له عقد القران المحامي المسلم بمصر يختار أي محامي يريده، طريقة عقد الزواج الذي تم:
كتب بيننا المحامي عقد زواج على سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى مذهب أبي حنيفة بحضور (الزوج، ووالد الزوجة، والزوجة، وشاهدين، ووالدة الزوجة) وكتب المحامي العقد كتابة، وقرأه عليهم قراءة، ووافق الجميع على جميع ما هو مكتوب بالعقد، ووقع الزوج، ووالد الزوجة، والزوجة، والشهود، والمحامي، على جميع ما هو مكتوب بهذا العقد، وتم توثيق العقد من المحكمة في مصر ولم يطلب المحامي الذي عقد القران من والد الزوجة أن ينطق بـ: زوجتك ابنتي، ولم يطلب من الزوج أن ينطق قبلت هذا الزواج، بل وافق الجميع على عقد الزواج كتابة وقراءة وسماعا من المحامي، ووقع والد الزوجة، ووقع الزوج، ووقعت الزوجة، ووقع الشاهدان، ووقع المحامي على ذلك العقد، وتم الزواج ودخل الزوج بزوجته، ولهما عام كامل وزواجهما موفق.
المطلوب: هل هذا العقد والزواج صحيح أم باطل، أو يحتاج إلى تجديد، وماذا يترتب عليه من كفارة إذا كان هذا الزواج غير صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب: الواجب إعادة العقد المذكور؛ لأنه لا يجزئ في عقد النكاح مجرد التوقيع على العقد المكتوب، فلا بد من لفظ يصدر من الولي بالإيجاب، ولفظ يصدر من الزوج بالقبول بأي لفظ تعارفا عليه، وما مضى يعتبر نكاحا باطلا، وعلى الجميع التوبة إلى الله من ذلك.
بكر بن عبد الله أبو زيد ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
ثانيا:
جمهور العلماء على اشتراط الشهادة لصحة النكاح، إلا أن المالكية ذهبوا إلى جواز تأخير الشهادة إلى ما قبل الدخول، ولا يجب أن تكون وقت العقد، فلو شهد اثنان من المسلمين قبل الدخول، صح. وينظر: "حاشية الدسوقي" (2/216).
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهادة ليست شرطا، بل يكفي إعلان النكاح، فحيث اشتهر النكاح وأعلن، صحَّ، وهذا مروي عن أحمد رحمه الله.
قال في "المغني": " وفعله ابن عمر , والحسن بن علي , وابن الزبير , وسالم وحمزة ابنا ابن عمر. وبه قال عبد الله بن إدريس , وعبد الرحمن بن مهدي , ويزيد بن هارون , والعنبري , وأبو ثور , وابن المنذر وهو قول الزهري , ومالك , إذا أعلنوه. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر" انتهى.
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ينظر: "الشرح الممتع" (12/94).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان. وأما مع الكتمان والإشهاد: فهذا مما ينظر فيه.
وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان: فهذا لا نزاع في صحته.
وإذا انتفى الإشهاد والإعلان: فهو باطل عند عامة العلماء. وإن قُدّر فيه خلاف فهو قليل " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 177.
وعليه؛ فإذا لم يحضر هذا العقد شاهدان رجلان، لكن أعلن الأمر أن فلانا تزوج فلانة، فالعقد صحيح.
وإذا انتفى الشاهدان، والإعلان، فالعقد باطل اتفاقا.
ثالثا:
إذا بطل العقد لعدم التلفظ بالإيجاب والقبول، أو لعدم تحقق الشهادة أو الإعلان، فإن هذا النكاح لا يُحل المرأة لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/255): " يشترط في النكاح الثاني لكي تحل المرأة للأول: أن يكون صحيحا، ولا تحل للأول إذا كان النكاح فاسدا، حتى لو دخل بها؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة، ومطلق النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة.
ولو كان النكاح الثاني مختلفا في فساده، ودخل بها، لا تحل للأول عند من يقول بفساده لما قلنا" انتهى.
والله أعلم.