ورثت (أ) عن أبيها جزءا من بيت، لكن تقسيمة الإرث لم تكن عادلة؛ كان الصوابُ أن يرث هذا البيت أشخاص كثيرون، لكن ما حدث أنه تم تقسيمه على قلة منهم فقط، وكانت (أ) واحدة منهم، وهذا معناه أن (أ) على الأرجح قد ورثت في هذا البيت أكثر مما تستحق، ماتت (أ) ووَرِثَتْها ابنتاها (ب) و(ج)، وكان من ضمن الورث ذلك الجزء من البيت، فيما بعد أعطتْ (ب) أختَها (ج) مبلغًا ماليًا، قد يكون ٢٠٠٠ ج أو ٨٠٠٠ ج، لا تذكران، وقالت لها: هذا نصيبك من البيت (ج) لديها سؤال الآن، وهو: هل هذا المبلغ المالي حلال لها؟ أم إنه حرام، وعليها أن تخرجه صدقة؟ وهل عليها أن تخرج ٢٠٠٠ ج أم ٨٠٠٠ ج، إنهما لا تتذكران قيمة المبلغ بدقة؟ ويُرجى أخذ الحقائق التالية في الاعتبار: أولًا: هذا الأحداث وقعت منذ سنوات، حين أعطت (ب) أختها المبلغ المالي كان هذا حوالي عام ٢٠٠٠ ميلاديا، وإنَّ ٨٠٠٠ ج في ذلك الوقت تكافئ الآن ما هو أكثر من هذا؛ بسبب التضخم، وهبوط القيمة الشرائية للجنيه المصري، فهل يجب على (ج) إخراج ٨٠٠٠ جنيها أم مبلغا أكبر؟ وكيف يحسب هذا المبلغ؟ ثانيًا: لقد تعرضت (ج) لظلم كبير في ورث أمها، فلقد ورثت (ب) أكثر مما تستحق بكثير، أموالا سائلة، وذهبا، وغير ذلك، فهل هذا يغير من الأمر شيئا؟ هل يجوز اعتبار ذلك المبلغ المالي جزءًا من مال الأم الحلال (الذي لم تنل منه (ج) شيئًا يذكر؟
الحمد لله.
أولا:
إذا مات الميت وجب تقسيم تركته على ورثته كما أمر الله تعالى، ولا يجوز التعدي على ذلك، كما حذر الله تعالى منه في ختام بيان المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13- 14.
ومن أخذ أكثر من نصيبه وجب عليه أن يرد الزائد إلى أصحابه، مع التوبة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) رواه البخاري (1739)، ومسلم (1679).
وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (2453)، ومسلم (1612) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وعليه؛ فإذا كان المرموز لها ب (أ) قد أخذت أكثر من نصيبها من البيت بغير رضى بقية الورثة، فعليها رد الزائد، ولا يحل لها الانتفاع به.
ثانيا:
إذا ماتت (أ) فإنه لا يحل لورثتها الانتفاع بالزائد عن نصيبها من البيت؛ لأن ما أخذ بغير رضى، لا يملكه صاحبه، فلا ينتقل لوراثه.
وعليه؛ فإذا تيقنّا أن (أ) أخذت أكثر من حقها، لزم ورثتها (ب، ج ) أن يردا الزائد لأهله، ولا يحل لهما الانتفاع به.
والتيقن من ذلك يُعرف بحصر الورثة، وتقسيم البيت، ومعرفة نصيب (أ) شرعا، ومقارنته بما أخذته واقعا.
ثالثا:
ما أعطته (ب) لأختَها (ج) من المال عوضا عن نصيبها من البيت، فيه معاوضة عن جزء حلال، وجزء محرم، والجزء المحرم لا تصح المعاوضة عليه؛ لأنه ليس مملوكا لـ (ج)، ولا يحل لـ (ب) لو اشترته، بل يلزمهما رده لأصحابه، أو لورثتهم.
وعليه؛ فيلزم معرفة الجزء المحرم، ورده للورثة، وإسقاط ما يقابله من الثمن.
فلو كان الجزء المحرم يساوي ربع نصيب (ج) لزمها أن ترد ربع الثمن، لكن بشرط أن توافق (ب) على رد هذا الجزء لأصحابه.
فإن رفضت (ب) ذلك، فعلى (ج) أن تعطي هذا المال لأصحاب الجزء المأخوذ ظلما، ولا تعطه ل(ب).
رابعا:
في حال رد المال ل(ب) أو لأصحاب الجزء المحرم، مع انخفاض العملة بمقدار الثلث أو أكثر، فإنه يلزم (ج) تعويض الفرق، وذلك بمعرفة كم كان هذا المال سنة 2000م يساوي من الدولارات، ودفع المال بالدولارات وليس بالجنيهات، كما بينا ذلك في جواب السؤال رقم: (215693 ).
والله أعلم.