الحمد لله.
روى الطبري في "التفسير" (21 / 308 - 309)، والبييهقي في "الأسماء والصفات" (1 / 263 — 264): عن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حدثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بن بلال، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ )، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَذَكَرَ قَوْمًا اسْتَكْبَرُوا فَقَالَ: ( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )، وَقَالَ اللَّهُ: ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا )، وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، اسْتَكْبَرَ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَوْمَ كَاتَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ.
ورواه الحنائي في "الفوائد" (1 / 154) عن أبي اليمان.
وابن حبان في "الصحيح" (1 / 451) عن عَمْرو بْن عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي.
كلاهما: عن شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ. فذكر الخبر.
فهذه طرق صحيحة، والخبر مخرج في الصحيحين من نفس طريق الزهري من دون ذكر خبر نزول الآيتين.
فروى البخاري (2946)، ومسلم (21) عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ).
وقد نص ابن كثير رحمه الله تعالى على أن الزيادة التي عند الطبري وغيره مدرجة:
" وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري، والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري، والله أعلم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 345).
وما ورد في هذه الزيادة من ذكر الشهادة ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ )، بينما رواية الصحيحين اقتصرت على توحيد الألوهية: ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )، فهذا أمر لا إشكال فيه؛ لأنه قد ورد ما يشهد لها عند البخاري (25) ومسلم (22) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ... واستدل [يعني: القفال] بحديث الباب؛ فادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أو أني رسول الله). كذا قال، وهي غفلة عظيمة؛ فالحديث في صحيحي البخاري ومسلم - في كتاب الإيمان من كل منهما - من رواية ابن عمر بلفظ: ( حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ )، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ( لا إله إلا الله ) هنا التلفظ بالشهادتين، لكونها صارت علما على ذلك، ويؤيده ورودهما صريحا في الطرق الأخرى " انتهى من "فتح الباري" (12 / 279).
وبكل حال؛ فالحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا إشكال في ثبوته، وفيه جعل غاية القتال للمشركين: أن يوحدوا الله، بالنطق بالشهادتين؛ فهوِّن عليك أيها السائل الكريم، فليس في الأمر كذب على رسول الله عليه وسلم، ولا دعوى على شرع الله بما لم يكن.
والله أعلم.