الحمد لله.
أولًا :
قول القارئ أو المستمع بعد الانتهاء من قراءة قوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ : "يأتي به الله رب العالمين" لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم حسب بحثنا في مصادر التفسير والسنة المعتمدة.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "وكذلك ما يقوله العامة عند قوله: (بمَاءٍ مَعِيْن): يأتي به الله: لا يثبت فيه شيء" انتهى من "فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ» (2/ 235).
وهذا الذكر تناقله الناس عن بعض فقهاء الحنفية والشافعية، وجلال الدين المحلي في تفسير الجلالين، فانتشر بين الناس.
قال العيني – من فقهاء الأحناف-: "إذا قرأ قوله تعالى: قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين (الملك:30) يستحب أن يقول: الله رب العالمين" انتهى من "البناية شرح الهداية" (2/ 321).
وقال الشرواني -من فقهاء الشافعية-: "وإذا قرأ فمن يأتيكم بماء معين [الملك: 30] يقول : الله رب العالمين" انتهى من "تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي" (2/ 102).
وقال جلال الدين المحلي: " ويستحب أن يقول القارئ عقب معين : الله رب العالمين" انتهى من "تفسير الجلالين" (ص757).
والتحقيق: أنه لم يرد بخصوص استحباب ذلك شيء، ولم يرد فيه سنة، ولا أثر سلفي، بخصوص قول ذلك عند قراءة هذه الآيات.
لكن من يستحبها من الفقهاء، يبني ذلك على مقتضى حديث حذيفة رضي الله عنه "أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ" الترمذي (262) وقال هذا حديث حسن صحيح.
وليس هذا الانتزاع بالبين في هذا المقام، ولا يظهر أنه من التفاعل الحسن المندوب إليه مع نظام الآيات؛ فإن الاستفهام في هذه الآية ليس على بابه، حتى يجاب بأن الذي يجيء به الله؛ كيف، وقد تهددهم أن "الله" يذهب بنعمهم، ويحرمهم من مائهم، عقوبة لهم على عتوهم على ربهم.
قال ابن عاشور، رحمه الله: " والاستفهام في قوله: ( فمن يأتيكم بماء ): استفهام إنكاري؛ أي: لا يأتيكم أحد بماء معين، أي: غير الله. واكتفي عن ذكره، لظهوره من سياق الكلام، ومن قوله قبله : ( أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ) [الملك: 20] الآيتين." انتهى، من "التحرير والتنوير" (29/56).
وقال الشيخ السعدي، رحمه الله: " ثم أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصًا بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا أي: غائرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ تشربون منه، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى.". انتهى، من "تيسير الكريم المنان" (878).
ثانياً:
صحة صلاة من قال هذا الذكر.
من قال ذلك مقلداً لما ذكره بعض أهل العلم فصلاته صحيحه ، لأنّ هذا من جملة الذكر، وليس من كلام الناس الذي يبطل الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند حديثه عن الدعاء عند المرور بآية رحمة والاستعاذة عند المرور بآية عذاب: "أعطانا عليه الصَّلاة والسَّلام قاعدة: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء مِن كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصَّلاة، فيكون الأصل فيه الجواز" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (3/290).
والله أعلم