الحمد لله.
أولًا:
نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام هو كسائر أنبياء الله: يدخلون الجنة بلا حساب، كما هو قول جمهور العلماء. وقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (159519).
ثانيًا:
أصل هذه المقولة هو حديث لا يصح؛ أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (16597) قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا إبراهيم بن هارون بن المغيرة الرازي، حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن غنم، قال:
استعمل عمر بن الخطاب على الشام معاذ بن جبل، فكتب إليه: أن أعط الناس أعطياتهم، واغزُ بهم.
فبينا هو يعطي الناس، وذلك في آخر النهار، جاء رجل من أهل الرُّسْتاق، فقال: يا معاذ؛ مر لي بعطائي فإني رجل من أهل الرستاق من مكان كذا وكذا، فلعلي آوي إلى أهلي قبل الليل.
قال: لا والله لا أعطيك حتى أعطي هؤلاء ـ يعني أهل المدينة ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الأنبياء كلهم يدخلون الجنة قبل سليمان بن داود بأربعين عاما، وإن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين عاما، وإن صالح العبيد يدخلون الجنة قبل الآخرين بأربعين عاما، وإن أهل المدن يدخلون الجنة قبل أهل الرستاق بأربعين عاما؛ بفضل المدائن، والجماعات، والجمعات، وحلق الذكر، وإذا كان بلاء خُصوا به دونهم).
وبيان ضعف هذا الحديث من وجوه:
الأول: علي بن سعيد شيخ الطبراني، صدوق يهم، قال الهيثمي: "علي بن سعيد بن بشر قال الدارقطني: ليس بذاك، تفرد بأشياء، وقال ابن يونس: كان يفهم ويحفظ، وقال الذهبي: حافظ رحال" انتهى، من "مجمع الزوائد" (10/262)، وقال أيضا في موضع آخر من "مجمع الزوائد" (8/105): "لين".
الثاني: إبراهيم بن هارون بن المغيرة، لم يترجم له إلا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/142) قال: "روى عن أبيه، روى عنه أبي، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وحماد بن عمرو النصيبي"، فهو مجهول الحال.
الثالث: هارون بن المغيرة، صدوق يهم، قال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (9/96): "صالح الحديث"، وقال ابن حبان في "الثقات" (9/238): "ربما أخطأ".
الرابع: عمرو بن أبي قيس، قال ابن حجر في "التقريب" (ص426): "صدوق له أوهام".
فكما ترى هؤلاء أربعة من الرواة في هذا الإسناد لو تفرد واحد منهم بحديث لم يقبل _أو كان حسنًا في أحسن أحواله_، فكيف باجتماع تفردهم في هذا الحديث واحد عن واحد.
هذا، مع ما في المتن من نكارة، ومخالفة لما تقرر من حال الأنبياء عليهم السلام جميعا، ورفيع مقام، وعالي منزلتهم عند رب العالمين. فمثل هذه المعاني لا تحتمل بمثل هذه الأسانيد، ولو كان لها نوع تأويل سائغ؛ فإنما ينظر في تأويلها إذا صح بها إسناد لا مغمز فيه.
ثالثا:
أما عن قولك لأنه كان ثريا، والمساءلة تأتي معها، يعني: مع الأموال: فقد بينا في جواب السؤال رقم: (288326) أن النعيم الدنيوي لا ينقص الأجر في الآخرة، إلا إذا كان هذا التنعم بغير حق، أو لم يؤد العبد شكر ربه على هذا النعيم.
وانظر جواب السؤال رقم: (303167).
والله أعلم.