أنا فتاة، أبحث منذ وقت عن منتجات يحتاج الناس إليها بشدة؛ كي أبيعها، وأكسب الرزق الحلال من خلالها، فوجدت مؤخرًا قِطع أو وسائد أو حشوات توضع داخل الأحذية ـ أكرمكم الله ـ فتزيد من الإرتفاع، أي الطول بضع سنتيمترات، ٢ إلى ٧ أو ٩ سنتيمتر، ولكن أخبرتني والدتي أن هذه القطع تعتبر من تغيير خلق الله، وأنها من الممكن أن تستخدم في خداع الخاطب، أو شخص يتقدم لوظيفة معينة تحتاج طول معين، فيستخدمها لتزييف طوله الحقيقي، السؤال هل هذه القطع استخدامها وبيعها حلال؟ أم إنها أداة غش وخداع وتغيير لخلقة الله؟ علمًا أنها مريحة للأقدام، وليس منها ضرر.
الحمد لله.
أولا:
يجوز لبس الحشوات التي تزيد من ارتفاع الإنسان وتظهره طويلا بشرطين:
1-ألا يكون فيها ضرر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ رواه أحمد، وابن ماجه (2341)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
2-ألا يكون لغرض محرم كالتبرج أو الخيلاء أو التزوير والتدليس على خاطب أو غيره.
وقد روى مسلم (2252) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَصِيرَةٌ تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، فَاتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ، وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٌ مُطْبَقٌ، ثُمَّ حَشَتْهُ مِسْكًا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ، فَمَرَّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَلَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ.
قال النووي رحمه الله: "وأما اتخاذ المرأة القصيرة رجلين من خشب حتى مشت بين الطويلتين فلم تعرف، فحكمه في شرعنا : أنها إن قصدت به مقصودا صحيحا شرعيا بأن قصدت ستر نفسها ، لئلا تعرف فتقصد بالأذى ، أو نحو ذلك : فلا بأس به . وإن قصدت به التعاظم أو التشبه بالكاملات ، تزويرا على الرجال وغيرهم فهو حرام" انتهى من "شرح مسلم" (15/9).
ثانيا:
إذا كانت السلعة تستعمل في الحلال والحرام، فإنه يحرم بيعها على من غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام، ويجوز بيعها لمن يستعملها في الحلال ، أو لمن جُهِلت حاله، عملا بالأصل وهو حل البيع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/211): " ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء عُلم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز.
فمن أمثلته عند المالكية: بيع الأمة لأهل الفساد , والأرض لتتخذ كنيسة أو خمارة , وبيع الخشب لمن يتخذه صليبا , والنحاس لمن يتخذه ناقوسا. قال الدسوقي: وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب , من سلاح أو كراع أو سرج , وكل ما يتقوون به في الحرب , من نحاس أو خباء أو ماعون ...
ومن أمثلته عند الشافعية: بيع مخدر لمن يظن أنه يتعاطاه على وجه محرم , وخشب لمن يتخذه آلة لهو , وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة. وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق , ...
ومن أمثلته عند الحنابلة: بيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار وأشباه ذلك , فهذا حرام " انتهى.
وجاء فيها (9/210): " اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع: أن يعلم البائع بقصد المشتري اتخاذ الخمر من العصير، فلو لم يعلم ، لم يُكره بلا خلاف، كما ذكره القهستاني من الحنفية، وهو صريح كلام المرغيناني الآنف الذكر.
وكذلك قال ابن قدامة: إنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك: إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.
أما الشافعية فاكتفوا بظن البائع أن المشتري يعصر خمرا أو مسكرا، واختاره ابن تيمية.
أما إذا لم يعلم البائع بحال المشتري، أو كان المشتري ممن يعمل الخل والخمر معا، أو كان البائع يشك في حاله، أو يتوهم:
- فمذهب الجمهور الجواز، كما هو نص الحنفية والحنابلة.
- ومذهب الشافعية أن البيع في حال الشك أو التوهم مكروه" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة:"ما حكم الاتجار في زينة النساء , وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجة به للأجانب في الشوارع كما يرى من حالها أمامه , وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار؟
فأجابوا:" لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان .
أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئاً فيجوز له الاتجار فيها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/ 67).
وعليه؛ فلا حرج أن تبيعي هذه الحشوات لمن تجهلين حالها ولا تعليمن أنها تريده للتبرج أو التزوير ونحوه من المحرمات، إذا خلت من الضرر، ويعرف الضرر وعدمه بالرجوع إلى الأطباء.
والله أعلم.