أنا فتاة في عمر السابعة عشر، غيرت مذهبي إلى مذهب الحق؛ مذهب السُّنة منذ ما يقارب السَنَة، ولله الحمد، لم أخبر عائلتي بخصوص هذا الأمر حتى أجلٍ مسمى، ولذلك فيأمرني أبواي بحضور بعض مجالس مذهبهم، وأحتج بالدراسة، أو بحجة أخرى، في أحد المرات أمرتني أمي بالذهاب ورفضت بحجة الدراسة، لكنها أصرّت، وأصررت على رفضي، فأخبرتني بأنها ليست راضية عني، الآن أنا محتارة هل ما فعلته تجاهها عقوق؟ وهل حضوري لمثل هذه المجالس التي تخالف مذهبي محرمة؟ وما هو الفعل الصحيح في مثل هذا المواقف؟
الحمد لله.
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، ونسأله لك الثبات والرشاد، وأن يقر عينك بهداية والديك وأهلك.
ثانيا:
مجالس القوم لا تخلو من منكرات الأقوال والأفعال، وقد تتضمن شركا بالله تعالى، بدعاء غير الله تعالى من آل البيت وغيرهم، فالواجب اجتناب هذه المجالس ما أمكنك.
قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره)؛ أي غير الكفر.
(إنكم إذا مثلهم): فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم)؛ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم: يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز [رضي الله عنه] أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب [أي: عاقبه]، وقرأ هذه الآية: (إنكم إذا مثلهم)؛ أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة العاصي، حتى يهلكوا بأجمعهم.
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، كما قال:
فكل قرين بالمقارن يقتدي" انتهى من "تفسير القرطبي" (5/418).
وقد أحسنتِ بعدم الذهاب والتعلل بالدراسة ونحوها.
ولا شيء عليك في الرفض الصريح الذي صدر منك، ولا يعد هذا عقوقا؛ فإن طاعة الوالدين إنما تكون في المعروف، لا في المعصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
ولا خوف عليك من عدم رضى والدتك عنك؛ لأنه بغير حق.
لكن تجنبي الرفض الصريح، حتى لا تتعرضي لأذى منهم، أو يحاولوا فتنتك عن الحق؛ وابحثي عن أعذار مقبولة لعدم الحضور، ولك استعمال التورية، وهو الكلام الذي يفهم منه السامع أمرا، ويريد المتكلم به أمرا آخر.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (404814)، ورقم: (229719)، ورقم: (341075).
ونسأل الله لك العون والتوفيق والسداد.
والله أعلم.