الحمد لله.
أولاً :
مما لا شك أن الربا في حياة اليهود سمة بارزة ، وحيلهم في أكل الحرام عموماً والربا خاصة معروف ، قد ذكره الله تعالى عنهم وبيَّن أنه قد نهاهم عنه وحرَّمه عليهم ، قال تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً . وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ) النساء/160، 161 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
إن الله قد نهاهم – أي : اليهود – عن الربا ، فتناولوه ، وأخذوه ، واحتالوا عليه بأنواع الحيل ، وصنوف من الشبَه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 584 ) .
وأخذ الربا منكم وإرهاقكم به والاستيلاء على المنزل عند العجز عن السداد أمر معروف في دينهم المحرَّف ومعاملاتهم الخسيسة ، فقد قصر اليهود النص المحرِّم للربا على التعامل بينهم فقط ، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا : فقد فجعلوه جائزاً لا بأس به ، وقد جعلوه طريقاً للاستيلاء على أملاك غيرهم .
يقول أحد ربانييهم - واسمه راب - :
عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة ، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش ، حتى يرهقه ، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني ، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – أي : غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه .
" الربا وأثره على المجتمع الإنساني " للدكتور عمر بن سليمان الأشقر ( ص 31 ) .
ثانياً
الربا في الإسلام محرَّم ، ولا فرق في الحكم بين أن يكون بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم ، والقروض التي يشترط أصحابها سدادها بزيادة هي من القروض الربوية ، وتحريمها لا شك فيه ، والمتعامل بها أخذاً وإعطاء معرِّضٌ نفسه للوعيد في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/275 .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( رأيتُ الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم ، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : الذي رأيته في النهر آكل الربا ) رواه البخاري (1979) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله وما هنَّ ؟ قال : الشرك ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتّولّي يوم الزّحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) رواه البخاري (2615) ومسلم (89) .
ولا فرق في الحكم بين آكل الربا – وهو البنك هنا - ، وموكله – وهو الآخذ منه هذا القرض – والشاهد والكاتب ؛ إذ كلهم في الإثم سواء .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكلَه وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء ) .
رواه مسلم ( 1598 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة ؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها ؟
فأجابوا :
يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقديّاً على أن يرد أكثر منه ، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره ؛ لأنه ربا ، وهو من أكبر الكبائر ، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي .
" فتاوى إسلامية " ( 2 / 412 ) .
وعليه : فلا يجوز لكم الاقتراض من تلك البنوك لما في معاملتها معكم من الربا المحرم الصريح ، ويمكنكم البناء بأموالكم الحلال وإثبات ذلك بطرق كثيرة ، فليس كل من يبني بيتاً من غير طريق البنك يكون سارقاً أو مختلساً لهذه الأموال ، فالحصول على المال من الكسب الطيب طرقه واسعة ويمكن إثبات ذلك وتوثيقه لمن يرتاب في أمركم ، وهو أمر ليس فوق الطاقة والقدرة .
وقد سبق بيان تحريم الربا ، وتحريمه بالنسبة لبناء البيوت وشرائها ، فانظر أجوبة الأسئلة رقم (21914) و (22905).
والله أعلم .