هل تجزئ عمرة في شهر رمضان عن أداء فريضة الحج، لميت أوصى بأداء فريضة الحج عنه؟
توفيت والدتي رحمها الله تعالى، وتركت مبلغا من المال كانت قد أوصت أخي الأكبر للحج به عنها، وبما أن هذا الأخير لم يكن مؤهلا للحج عنها، كونه لم يؤد فريضة الحج عن نفسه، وليس بمقدوره أداؤها مستقبلا، ارتأى جل اخوتي وأخواتي أن يكلفوا أخاهم الأصغر الذي سبق له أن أدى فريضة الحج عن نفسه، بتنفيد وصية أمهم،
الا أن أخي الأكبر رفض رفضا قاطعا تسليمهم مال الوصية، بحجة أن والدته شرفته و كرمته باسمه الخاص لأداه وصيتها، و سيؤدي عمرة في شهررمضان عن أمه بدل الحج الذي أوصت به، لأن العمرة في شهررمضان تعدل أجر حجة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم،
فما حكم ذلك جزاكم الله خيرا
الحمد لله.
فضل العمرة في رمضان: المقصود به أنه يكتب لمن فعلها أجر حجة، كما هو قول جماهير أهل العلم.
وهذا لا يعني أن هذه العمرة تقوم مقام الحج في الإجزاء، لاعن حج الفريضة ولا عن حج النافلة باتفاق العلماء.
جاء في مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية الكوسج قلت: من قال: عمرة في رمضان تعدل حجة أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت.
قال إسحاق: ثبت، كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدًا. انتهى من "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (5/ 2229).
وقال ابن حجر رحمه الله: "فالحاصل: أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض، ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه: أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (3/ 604).
وقال الإمام النووي رحمه الله: في معنى قوله صلى الله عليه وسلم :(فإن عمرة في رمضان تعدل حجة): أي تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء، فإنه لو كان عليه حجة، فاعتمر في رمضان: لا تجزئه عن الحجة" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (9/ 2).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجزئ العمرة في شهر رمضان المعظم عن الحج؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : من اعتمر في رمضان كان كمن حج معي؟
الجواب: لا تجزئ العمرة في رمضان عن الحج، ولكنها يكون لها فضل الحج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (عمرة في رمضان تعدل حجة) ، أو قال: (حجة معي) يعني: في الفضل والأجر، وليس معناه: أنها تعدلها، وتقوم مقامها، حتى لا يكون عليه حج، لا؛ بل عليه الحج، حجة الإسلام، وإن اعتمر في رمضان، عند جميع أهل العلم، فالعمرة في رمضان يحصل بها فضل الحج، من جهة الفضل ومن جهة الأجر، ولكنها لا تجزئ عن حجة الإسلام. انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (18/ 116).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا اعتمر في شهر رمضان: فإن هذه العمرة تعدل حجةً في الأجر لا في الإجزاء، فلا تجزئ عن الحج، ولا تسقط بها الفريضة، ولا يعتبر حاجاً حجاً متنفلاً، وإنما يعتبر هذه العمرة من أجل وقوعها في هذا الشهر، تعدل في الأجر حجةً فقط.
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل) ؛ وهذا بلا شك بالأجر، وليس بالإجزاء، ولهذا لو كان عليه أربع رقاب فقال هذا الذكر لم يجزئه ولا عن رقبةٍ واحدة.
فيجب أن نعرف الفرق بين الإجزاء وبين المعادلة في الأجر، فالمعادلة في الأجر لا يلزم منها إجزاء.
وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)؛ ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مراتٍ في ركعة، ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عَدَلت القرآن كله حينما قرأها ثلاث مرات" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (6/ 2 بترقيم الشاملة).
وبناء على ما سبق من إجماع أهل العلم على أن عمرة رمضان لا تقوم مقام الحج، لا فرضا ولا نفلاً، فلا يجوز لأخيكم الأكبر أن يتصرف في مال الوصية التي أوصت بها أمكم بأن يؤدى عنها الحج بها بالقيام بعمرة في رمضان بدلاً عن الحج، فإن فعل فلا تجزئ، وعليه الإثم، ويلزمه أن يغرم المال الذي أنفقه في العمرة، ويبقى مال الوالدة في ذمته؛ فإن الله تعالى قال عن حكم تبديل الوصية الصحيحة فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 181].
وإن رفض قيام أخيكم الأصغر بالحج بذلك المال، فاصطلحوا معه على أن تنيبوا شخصاً آخر أمينا، يقدر على القيام بالحج بذلك المال، دفعا لما وقع بينكم من النزاع والشقاق.
والله أعلم