الحمد لله.
نقول للسائلة الكريمة، أولا : إنه قد كان لكِ دور في حصول هذه المشكلات دون أن تشعري، حيث سمحتِ لأهلك بالتدخل في حياتك الزوجية، ابتداء من موافاتهم بمشكلاتك مع زوجك والتشكي لهم، ثم بالإصغاء إليهم فيما يتحدثون به حول ذلك.
فأصل هذه المشكلة هو تدخل الأهل في الحياة الزوجية لأبنائهم، وهذا ما يخلق الكثير من المشكلات، وكثير من الأسر لا تدرك خطورة هذا الأمر، وتمارس نوعا من التخبيب الخفي، بحجة الحرص على مصلحة ابنهم أو ابنتهم، فالإنسان قد يكون راضيا بوضع معين، متعايشا معه؛ فيأتي من يهيجه – من قريب أو صديق-ويفسد عليه استقراره.
فأول الحلول : إبعاد أهلك تماما عن خصوصيات حياتك الزوجية، وحلي ما يحصل بينك وبين زوجك من مشكلات في إطاركم الداخلي، وأظهري لأهلك تجاهل ما يقولون وأنك في وضع جيد، ولا تتحدثي أمامهم بتذمر من وضعك مع زوجك، أو بما يحصل بينكما من مشكلات، فهذا الذي فتح لهم الباب للتدخل، والزوجان الحكيمان الحصيفان يحلان مشكلاتهما وإشكالاتهما فيما بينهما، أو باستشارة الناصحين إن احتاجوا، بعيدا عن الأهل.
ثانياً:
النفقة واجبة على الزوج وليست واجبة على الزوجة، ومساعدتك زوجك في الإنفاق كان بسبب اتفاقكما قبل الزواج، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك التوقف إذا أتعبك هذا الأمر، فأنت في حال توقفك عن الإنفاق تعيدين الأمور إلى وضعها الطبيعي.
وقد قال تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34].
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218).
قال ابن قدامة رحمه الله: "اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن" انتهى من "المغني" (11/348).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "النفقة على الأهل واجبة بالإجماع" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (9/498).
وإصرار زوجك على أن تبقي على رأس العمل ربما لظروفه المادية لكونها لا تغطي حاجاتكم، وليس القصد إجهادك. وعليك أن تحاوريه بالحسنى والإقناع بأن هذا العمل مجهد بالنسبة لكِ، وأنّ بقاءك في البيت يخلق جوا اجتماعيا وأسريا أكثر سكينة واستقرارا، ولو قلّ دخلكم.
فإن لم يتيسر، فحاولي أن تقنعيه بالانتقال إلى عمل لا يشق عليك، من حيث الوقت والجهد ، ويكون بعيداً عن الاختلاط، ويكون هذا بتراض بينكما، ولا بد أن يدرك انه لا يلزمك شرعاً المساهمة بأي شيء من النفقة، إلا بطيب نفس منك، وأن الشرع جعلها واجبة عليه حسب قدرته المالية ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7.
ثالثا:
اعلمي أن حسن عشرتك لزوجك، وتحمل ما قد يحصل منه زلات وتجاوزات: لكِ فيها الأجر العظيم، وأنه بالحكمة والدفع بالتي هي أحسن تصلح البيوت وتستقر، وأما تعامل المرأة مع زوجها بالندية، فهذا سبب لنكد البيوت وعدم استقرارها وغياب السكينة والمحبة والأنس.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لوافدة النساء عندما شكت إليه استئثار الرجال بالجهاد والجُمَع والجماعات، والحضور مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجالسه: (انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء: أن حُسْن تبعُّلِ إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته: تعدل ذلك كله). قال : فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (8743) وفي سند ضعف.
وعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ، لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه أبو داود (2140) وصححه الألباني .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رواه أحمد (1664) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (660).
وكذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال بحسن عشرة أزواجهن ، فقال صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا) رواه مسلم (1468)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا) رواه الترمذي (1162) وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
رابعاً:
أما ما أشرتِ إليه من كونك في دوامة بين أهلك وزوجك، فاعلمي أن زوجك أولى بكِ، وتصرفي مع أهلك بحكمة، بما يجب لهم من الإحسان، دون أن يؤثر على حق زوجك وحياتك الأسرية. وحاولي تقريب وجهات النظر، ورفع الضغينة بينهم وبين زوجك؛ فقد قرر أهل العلم أنه إذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة الأبوين، قدمت طاعة الزوج.
قال ابن قدامة رحمه الله: "قال أحمد، في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها" "المغني" لابن قدامة (10/224).
وقال المرداوي رحمه الله: "لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها، ولا زيارة ونحوه، بل طاعة زوجها أحق" انتهى من "الإنصاف" (21/423).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه) رواه الحاكم في المستدرك (7244) وفيه ضعف.
ولو أمكنت أن تدخري شيئا من راتبك، تصلين أهلك به: فهو خير، ولعله أن يلطف قلوبهم، وينزع شيئا من ضغائنها.
وقبل ذلك كله الاستعانة بالله عز وجل، ودعاؤه أن يصلح ذات بينكم، وأن يحييكم حياة طيبة، ويرزقكم رزقا حسنا، ويؤلف بين قلوبكم ويصلح ذات بينكم، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء.
والله أعلم.