ما حكم من توقف عن الطواف لأجل الصلاة المكتوبة؟

22-12-2023

السؤال 482828

حججت هذه السنة، وأثناء طواف الإفاضة بدأ الناس بالاصطفاف لصلاة العشاء قبل الأذان بدقائق، فتوقفت عن الطواف من أجل حجز مكان في الصفوف الأولى أمام الكعبة، ثم انتظرت الأذان، ثم صليت صلاة العشاء، ثم صليت صلاة الجنازة، ثم تزاحمت قليلا من أجل الحجر الأسود، وأكملت بعد ذلك الطواف، وكان هذا جهلا مني للأحكام. قال لي بعض الإخوان: أن فارق الوقت كان طويلا، وأنه لم يكن يجب علي التوقف إلى غاية إقامة الصلاة، فماذا علي الآن ؟ خاصة أنني سافرت من البلد، وأتيت زوجتي، أنا في حيرة من أمري، وحزين لذلك، أريد التوبة إلى الله تعالى، وإصلاح خطئي.

ملخص الجواب:

التوقف اليسير عن الطواف لأجل الصلاة المكتوبة ونحوه، لا يضر، ولا يقطع الطواف. من نقص من طوافه للإفاضة شيء، وجب عليه إعادته، إن أمكنه، وإن خرج من مكة، ولم يمكنه الرجوع فحكمه حكم المحصر. من طاف للوداع أو تطوعاً بعد طواف الإفاضة الذي نقص منه شيء، فإنه يجزئ عن طواف الإفاضة عند جماهير أهل العلم  

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

التوقف عن الطواف لأجل الصلاة المكتوبة، أو لأجل صلاة الجنازة لا يضر، ومن توقف عن الطواف للصلاة المكتوبة أو صلاة الجنازة، فله أن يبني على عدد الأشواط السابقة، بمعنى أنه إذا وقف في الشوط الثالث مثلاً، فإنه يتمه من حيث وقف.

قال ابن قدامة رحمه الله:"‌إذا ‌تلبس ‌بالطواف ‌أو ‌بالسعي، ثم أقيمت المكتوبة، فإنه يصلي مع الجماعة، في قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر، وسالم، وعطاء، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. وروى ذلك عنهم في السعي....، وإذا صلى بنى على طوافه وسعيه، في قول من سمينا من أهل العلم....

وكذلك الحكم في الجنازة: إذا حضرت، يصلي عليها، ثم يبني على طوافه؛ لأنها تفوت بالتشاغل عنها" انتهى من "المغني" لابن قدامة (5/247).

ثانياً:

إذا توقف قبل الصلاة بقليل ليأخذ مكانه في الصف، -كما هو حال السائل- فالظاهر أنه مغتفر، لأن هذا يستغرق زمنا يسيرا في العادة، كما هو معلوم من حال الفاصل بين الأذان والإقامة في الحرم.

ثم إن الفقهاء يقولون: "التابع: تابع"؛ يعني ـ هنا ـ أن التوقف لأخذ المكان في الصف، أو الاستعداد للصلاة، مغتفر، ولا يضر الطواف، لأنه إنما توقف لأجل الصلاة ، كما أن قطع الطواف، مغتفر لأجل صلاة الفريضة، ولا يلزمه أن يعيد طوافه من أوله، بل يبني على ما مضى من أشواطه، ويتم طوافه.

وقد روى ابن أبي شيبة عن جميل بن زيد: "أنه رأى ابن عمر طاف في يوم حار ثلاثة أطواف، ثم قعد في الحجر فاستراح، ثم قام فأتم على ما مضى". "مصنف" ابن أبي شيبة (9298).

قال ابن قدامة رحمه الله: "وقد روي عن أبي عبد الله-الإمام أحمد-، رحمه الله أنه قال: إذا أعيى في الطواف، لا بأس أن يستريح. وقال: الحسن غشى عليه، فحمل إلى أهله، فلما أفاق أتمه.

قال أبو عبد الله: فإن شاء أتمه، وإن شاء استأنف؛ وذلك لأنه قطعه لعذر، فجاز البناء عليه، كما لو قطعه لصلاة" انتهى من "المغني" لابن قدامة (5/247).

وقال صاحب "المبدع" (3/150):

" وإن كان يسيرا" بنى، لأنه يُتسامح بمثله، لما في الاتصال من المشقة؛ فعُفي عنه.

"أو أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة: صلى" في قول أكثر العلماء؛ لعموم قوله: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"؛ والطواف صلاة. وروي عن ابن عمر وسالم وعطاء ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم. ولأن الجنازة صلاة تفوت بالتشاغل بالطواف، وهي أولى من قطعه لها بالمكتوبة؛ لعدم فواتها به.

"وبنى": قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحسن؛ فإنه قال: يستأنف. والأول أصح؛ لأن هذا فعل مشروع، فلم يقطعه؛ كاليسير". انتهى.

وقد ذهب الأحناف والشافعية إلى أن الموالاة في الطواف ليست شرطا.

قال الكاساني رحمه الله: "والموالاة في الطواف ليست بشرط، حتى لو خرج الطائف من طوافه لصلاة جنازة أو مكتوبة أو ‌لتجديد ‌وضوء، ‌ثم ‌عاد: ‌بنى على طوافه، ولا يلزمه الاستئناف؛ لقوله تعالى: وليطوفوا بالبيت العتيق [الحج: 29]؛ مطلقا عن شرط الموالاة.

وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «خرج من الطواف، ودخل السقاية فاستسقي فسقى فشرب، ثم عاد وبنى على طوافه" انتهى من "بدائع الصنائع" (2/ 130).

وقال النووي رحمه الله:

"قال أصحابنا: ينبغي للطائف أن يوالي طوافه، فلا يفرق بين الطوْفَات السبع.

وفي هذه الموالاة قولان: (الصحيح) الجديد: أنها سنة ، فلو فرق تفريقا كثيرا بغير عذر: لا يبطل طوافه ، ‌بل ‌يبني ‌على ‌ما ‌مضى ‌منه ، وإن طال الزمان بينهما" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (8/47).

وهذا القول: رواية، أيضا عن الإمام أحمد، أو وجه في مذهبه.

قال "صاحب المبدع" (3/150): " "ويتخرج أن الموالاة سنة" لأن الحسن غشي عليه فلما أفاق أتمه وعن أحمد ليس بشرط مع العذر وهو ظاهر". انتهى.

وقال المرداوي: " وعنه، لا تُشْتَرطُ المُوالاةُ مع العُذْرِ. ذكَرَها المُصَنِّفُ وغيرُه. هنا. ويتَخَرَّجُ أنَّ المُوالاةَ سُنَّةٌ. وهو لأبِى الخَطَّابِ. وذكًره فى التَّلْخِيصِ وَجْهًا. وهو رِوايَةٌ فى المُحَرَّرِ، و الفُروعِ، وغيرِهما. وأمَّا إذا كان يَسِيرًا، أو أُقيمَتِ الصَّلاةُ، أو حضَرَتْ جِنانزَةٌ، فإنَّه مَعْفُوٌّ عنه، يُصَلِّى ويَبْنِى، كما قال المُصَنِّفُ" . ولكنْ يكونُ ابْتِداءُ بِنائِه مِن عندِ الحَجَرِ، ولو كان القَطْعُ فى أثْناءِ الشَّوْطِ. نصَّ عليه. وصرَّح به المُصَنِّفُ وغيرُه" انتهى، من "الإنصاف" (9/119).

وبناء على ما سبق: فإن توقفك قرب الأذان لأجل الصلاة والتقدم للصفوف الأولى لا يقطع طوافك، فهذا من التابع للصلاة، ولا يؤثر على صحة الطواف.

ثالثاً:

ذهابك إلى الحجر الأسود بعد الصلاة، وإكمال الشوط من هناك، فهذا له حالتان:

الأولى: أن تكون قد تجاوزت موضع الحجر في الشوط الذي توقفت فيه ، وصليت ، ثم عدت لتبدأ هذا الشوط من عند الحجر : فلا إشكال في ذلك، وهذا هو الواجب عليك عند من يرى أن الشوط يجب أن يبدأ من عند الحجر، ولو وقفت في أثنائه، وهو مذهب الحنابلة .

قال المردواي، بعد ما تكلم عن البناء على الأشواط السابقة: " ولكنْ يكونُ ابْتِداءُ بِنائِه مِن عندِ الحَجَرِ، ولو كان القَطْعُ فى أثْناءِ الشَّوْطِ. نصَّ عليه. وصرَّح به المُصَنِّفُ وغيرُه" انتهى، من "الإنصاف" (9/119).

وقال البهوتي، رحمه الله: " (وإن قَطَعَ الطَّواف بفَضْلٍ يسير) بنى من الحَجَر؛ لعدم فوات الموالاة بذلك.

(أو أُقيمت صلاةٌ مكتوبةٌ) صلَّى وبنى؛ لحديث: "إذا أُقيمت الصَّلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة"، والطَّواف صلاة، فتدخل في العموم.

(أو حضرت جنازةٌ، صَلَّى وبنى) ‌لأنها ‌تفوت ‌بالتشاغل ‌عنها (ويكون البناءُ من الحَجَر) الأسود (ولو كان القطعُ من أثناء الشَّوْطِ) لأنه لا يعتد ببعض شَوْطٍ قطع فيه". انتهى، من "كشاف القناع" (6/259).

" فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه أو يبدأ الطواف من جديد؟

والقول الثاني: أنه لا يجب على من تجاوز الحجر في شوطه، أن يعود إليه بعد انقضاء الصلاة. بل له أن يكمل طوافه بعد الصلاة من المكان الذي توقف فيه. وإن كان الأفضل له على كل حال أن يعود إلى الحجر، ويبدأ الشوط من أوله.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: "من قطع طوافه للصلاة ‌بدأ ‌من ‌حيث ‌انتهى ولا يلزمه العود إلى أول الشوط في أصح قولي العلماء، وإن بدأ من أول الشوط خروجا من الخلاف فهو حسن إن شاء الله؛ لما فيه من الاحتياط" انتهى، من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (16/137).

وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: " اختلف العلماء في هذا، فالمشهور من المذهب: أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد.

والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف، لأن ما قبل الوقوف وقع مجزئاً وما وقع مجزئاً لا يجب علينا رده؛ لأننا لو أوجبنا رده لأوجبنا على الإنسان العبادة مرتين وهذا لا نظير له". انتهى، من "الشرح الممتع" (7/277).

الحالة الثانية: أن تكون قد توقفت في طوافك قبل أن تبلغ موضع الحجر الأسود؛ وبعد انتهاء الصلاة، قمت لإكمال طوافك، غير أنك بدأت بالتزاحم نحو الحجر الأسود أولا: فطوافك صحيح أيضا ، على ما سبق ذكره من أنه لا يشترط بداية الشوط المقطوع من عند الحجر.

ثم لا يشترط أن تنوي نية خاصة لإكمال الشوط، بل يكفيك نية إكمال الطواف الذي قطعته لأجل الصلاة، بل يكفي استصحاب النية السابقة التي بدأت بها طوافك، ما دمت لم تنقضها بشيء خارج، وعدت إلى طوافك بعد انقضاء الصلاة.

قال في "زاد المستقنع": " ‌‌وَمَنْ تَرَكَ شَيْئاً مِنْ الطَّوافِ ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ ... لَمْ يَصِحَّ ".

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: " قوله: أو لم ينوه، هذا من شروط الطواف، فيشترط لصحته أن ينويه، فلو جعل يدور حول الكعبة، ليتابع مديناً له يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وهذا لم ينو الطواف، بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصح طوافه، ولكن لو نوى الطواف مطلقاً، دون أن ينويه للعمرة مثلاً فهل يجزئ؟

الجواب: في ذلك خلاف بين العلماء.

فمنهم من قال: لا يجزئ، بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعاً كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب أنه لا بد أن يعين الطواف بنيته.

وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى.

وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة.

فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك.

وهذا مع كونه الراجح نظراً، هو الأيسر بالناس؛ لأن الإنسان مع الزحام ربما يغيب عن ذهنه أنه نوى أن يطوف للعمرة أو للحج، فلو قلنا: لا بد من تعيين الطواف للنسك المعين لكان في هذا مشقة على الناس، أما إذا قلنا: بالقول الراجح أن نية العبادة تنسحب على جميع العبادة بجميع أجزائها فلا شك أن هذا أيسر للناس" انتهى، من "الشرح الممتع" (7/250-252).

رابعاً:

من ترك طواف الإفاضة، أو لم يكمله، أو فسد طوافه لأمر من الأمور، ثم طاف للوداع بعد نهاية نسكه، أو طاف تطوعاً بعد الطواف الذي نقص منه شيء: فإن طواف الوداع – أو طواف التطوع الذي طافه - : يقوم مقام طواف الإفاضة، ويجزئ، ويكون حجه تاماً على قول جمهور من أهل العلم؛ لا سيما على قول من لا يشترط التعيين في نية الطواف، على ما سبق ذكره. 

قال ابن رشد رحمه الله: "وجمهور العلماء على أن طواف الوداع يجزئ عن طواف الإفاضة، إن لم يكن طاف طواف الإفاضة؛ لأنه طواف بالبيت معمول في وقت طواف الوجوب، الذي هو طواف الإفاضة" انتهى من "بداية المجتهد" (2/ 109).

قال النووي رحمه الله: "‌ولو ‌طاف ‌بنية ‌الوداع ‌أو ‌القدوم أو التطوع وعليه طواف ‌إفاضة: وقع عن طواف الإفاضة بلا خلاف عندنا. نص عليه الشافعي، واتفق الأصحاب عليه" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (8/193).

قال الخرشي رحمه الله: "من طاف طواف الإفاضة على غير وضوء، أو نسيه، أو بعضه حتى وصل إلى بلده: فإنه يرجع له وجوبا، حلالا. إلا أن يكون طاف بعده تطوعا: فإنه يجزئه، ولا يرجع له من بلده؛ لأن ‌تطوعات ‌الحج ‌تجزئ ‌عن ‌واجب ‌جنسها، ولا دم عليه»" انتهى من "شرح الخرشي على مختصر خليل" (2/319).

وأشار الأحناف إلى هذا الاختيار.

قال الكاساني رحمه الله: "وكذا لو نوى تطوعا يقع عن طواف الزيارة...، وطواف الصدر-الوداع- فإنما يقع عما يستحقه الوقت، وهو الذي انعقد عليه الإحرام دون غيره سواء عين ذلك بالنية، أو لم يعين فيقع عن الأول" انتهى من "بدائع الصنائع" (2/129).

وعليه؛ إذا كنت قد طفت طواف الوداع أو طواف تطوع بعد طواف الإفاضة الذي حصل فيه النقص، فإن هذا الطواف يقوم مقامه، وحجك صحيح ولا شيء عليك.

والله أعلم

الفقه الحج والعمرة مسائل متفرقة في الحج
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب