كلما أدعو على أحد بالموت يموت، فهل أكون أنا السبب في موته؛ لكوني أدعو عليه، من قهر قلبي لا أتحمل فأدعو، ولكن أدعو بالموت، ولكن هذه المرة كانت عمتي أخت الوالد، وماتت، فهل أنا السبب في موتها؟
الحمد لله.
أولاً:
لا يجوز أن يدعو المسلم على أخية المسلم بوقوع الشر عليه، إلا إن كان ظالماً له، فيجوز أن يدعو عليه بقدر الظلم الواقع منه.
قال الله تعالى: لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا النساء/148.
قال الطبري رحمه الله: " قال ابن عباسٍ في الآية : " لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما ، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، وذلك قوله: إلا من ظلم وإن صبر فهو خير له" انتهى من "تفسير الطبري"(7/625).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "وقوله: ( إِلا مَن ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويشتكي منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص212).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ رواه البخاري (2448)
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ رواه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ"..
وإن عفا عنه فذلك أفضل وأكمل، ويُرفع صاحبه عند الله عز وجل، ويتأكد العفو إذا كان الظلم وقع من بعض الأقربين والأرحام؛ لذا ما كان ينبغي لكِ الدعاء على عمتك، فإن الله تعالى أمر بالإحسان إليهم، والعفو عن إساءتهم نوع من الإحسان إليهم . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ رواه أحمد (17452)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (891).
ثانياً:
تجاوز الحد في الدعاء أكثر مما وقع على الإنسان من الظلم: نوع من الاعتداء، فإن تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ البقرة/194.
وقال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
قال القرافي رحمه الله: "وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك ، بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها ، فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد ، والله تعالى يقول : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " انتهى من "الفروق" (4/ 292).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المظلوم دعوته مستجابة إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه أو أقل ، أما إذا تجاوز فإنه يكون معتديا فلا يستجاب له" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 616).
ثالثاً:
من دعا على شخص بالموت فمات، فلا يعد قاتلاً له، لأننا لا ندري أوقع بسبب دعائه أم وافق وقت دعائه، وهل استجاب الله دعاءه أم لا.
ولم نقف على من ذكر هذه المسألة من الفقهاء في موجبات القصاص والدية، وهذا يدل أنها عندهم ليست سبباً موجباً لا لقصاص أو دية.
ومما ورد عن السلف في ذلك:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، رضي الله عنه: أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً: فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ، مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا" .
رواه البخاري (3198)، ومسلم (1610) واللفظ له.
ومن ذلك أيضا: ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده في كتابه "مجابو الدعوة" (ص70) واللالكائي بسنده في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (9/ 238).
"أنّ التابعي مطرف بن الشِّخِّيْر كان مستجاب الدعوة أرسله رجل يخطب له فذكره للقوم فأبوه، فذكر نفسه فزوجوه فقال له الرجل في ذلك: بعثتك تخطب لي فخطبت لنفسك، قال: قد بدأت بك قال: كذبت قال: اللهم إن كان كذب علي فأرني به . قال: فمات مكانه ، فاستعدوا عليه ، فقال لهم الأمير: ادعوا أيضا أنتم عليه كما دعا عليكم" ولم ينقل أنه أخذ بقصاص أو دية.
وبكل حال؛ فاحذري من الاعتداء في الدعاء على غيرك من المسلمين، واحذري أيضا من الوسوسة في أمر دينك، أن تفسد عليك أمرك، أو ترهق فكرك.
وإذا علمت من نفسك أن الله يجيب لك دعوتك، خاصة إذا كنت مظلومة، فاحذري من الدعاء على مسلم بشر، واحذري من الاعتداء على من ظلمك في الدعاء؛ فكما أن الله جل جلاله، لا يحب الظالم، ويجيب دعوة المظلوم إذا عاده؛ فإنه جل وعلا لا يحب المعتدين؛ أيا ما كان اعتداؤهم، وعدوانهم.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (336358).
والله أعلم.