تقدم لخطبة أختى رجل من قبيلة أخرى، وبعد استبيان صلاحية ظاهره وموافقة أهل البيت والفتاة تم قبوله، وتم عقد القران له بحضور والدى وإخوتى والشهود، إلا أن أبناء قبيلتنا رفضو ذلك، وتهجموا على البيت؛ بحجة أنه لا يتم تزويج تلك القبيلة، حتى ولو كان شخصا ظاهره الصلاح، وإنها تختار من قبيلتها من يناسبها، وإن مرجعهم فى ذلك القانون العرفى القبلى دون الرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وتم إخبارهم أن الفتاة انعقد قرانها، وأصبحت زوجة لذلك الشاب، وأن مرجعنا التحاكم إلى الشريعة الإسلامية فلو أتو لنا بدليل شرعى موثق يقدح فى ذلك الشاب، وفتوى بمقتضى هذا الدليل توجب تطليق تلك الفتاة من ذلك الشاب لقبلنا ذلك، وطلقناها منه، وأما غير ذلك فلن يلتفت إليه، فأرجو إفادتنا بحكم ذلك شرعا. علما بأن هناك من يقول لنا لابد أن تطبقوا قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وتطلقو تلك الفتاة، وتوقفوا ذلك الزواج؛ حرصا على مشاعر أبناء قبيلتكم، فما حكم ذلك أيضا؟
الحمد لله.
أولا :
ما دامت الفتاة راضية ، وتم الزواج بموافقة وليها ، وكان الزوج صالحا ، فلا حق لأحد في الاعتراض ، لا من قبيلتها ولا من غيرهم .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
كثيرا ما يحدث بين الناس عضل البنت عن الزواج بسبب رأي أحد أفراد الأسرة ، حبذا لو تفضلتم بتوجيه عام في هذا؟
فقال :
"الواجب على الأسرة وبالأخص على وليها أن يختار لها الرجل الصالح الطيب في دينه وخلقه ، فإذا رضيت وجب أن تزوج ، ولا يجوز لأحد أن يعترض في ذلك ؛ لهوى في نفسه أو لغرض آخر من الدنيا أو لعداوة وشحناء . كل ذلك لا يجوز اعتباره . وإنما المعتبر كونه مرضيا في دينه وأخلاقه ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في شأن المرأة : (تنكح المرأة لأربع : لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك) . وهكذا يقال في الرجل سواء بسواء .
فالواجب الحرص على الظفر بصاحب الدين ، وإن أبى بعض الأسرة فلا يلتفت إليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (20/417) .
وسئل أيضا (20/419) :
لي بنت تقدم لخطبتها ابن خالتها للزواج منها وهو رجل كفء ، وامتنع من ذلك أخواها وحاولت إقناعهم فلم أستطع ، أرجو من سماحتكم بيان حكم عملهم هذا ، ونصحهم جزاكم الله خيرا .
فأجاب :
"ليس الأمر لهما ، وإنما الأمر لك ، لأنك أبوها ، وأنت وليها . فإذا كان الخاطب كفئا في دينه ، وقد رضيتَ به . فالواجب عليك تزويجها ، وإن لم يرض أخواها ... ولا يجوز لك تعطيل البنت من أجلهما ؛ لأنها أمانة في ذمتك . والله المسؤول أن يوفق الجميع لما يرضيه" انتهى .
فتدخل أبناء القبيلة من أجل تطليق تلك الفتاة هو تدخل فيما ليس من شأنهم ، ولا يجوز لهم فعل ذلك ، بل هم في هذا يتشبهون بالشيطان ، الذي يفرحه التفريق بين الزوجين .
فعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ : أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ رواه مسلم ( 2813 ) .
ويتشبهون بالسحرة الكفرة الفجرة ، الذين ذكر الله من أعماله الخبيثة أنهم يفرقون بين الزوجين .
قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ البقرة/ من الآية 102.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين" انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ) .
كما أنه ظلم لزوجها الذي يجبر على طلاق زوجته وهو لا يريد ، وكذلك ظلم لوليها .
كما أنه أمر بمعصية الله ، فإن الأصل في الطلاق أنه حرام ، لاسيما وهذا الطلاق لا سبب له ، بل أطرافه كلهم (الزوج والزوجة والولي رافضون له) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ: الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/293).
فكيف يتغاضى هؤلاء عن كل هذه المفاسد والمحرمات ، ولا يرون إلا أن مخالفة رأيهم مفسدة ، يجب أن يهدم أمامها كل شيء من أجل إرضائهم ؟!
ثالثا :
الذي نفتي به في هذه المسألة : أنه لا يجوز تطليق تلك الفتاة من أجل اعتراض قبيلتها ، بل ينبغي الاستمرار على هذا النكاح ، ليعلم أفراد القبيلة أنهم ليس لهم من الأمر شيء .
ويخشى أن يكون هذا الموقف من أفراد القبيلة نوعا من التكبر أو الاستعلاء ، أو العصبية الجاهلية ، وهذه أشياء حرمها الإسلام ، وجعلها من كبائر الذنوب ؛ فكيف تكون سببا يبيح تطليق المرأة من زوجها .
وإذا خشي ولي الزوجة من مفسدة، أو أذى أو عدوان بعض أفراد قبيلته عليه؛ فليجتهد في تهدئة ثائرتهم بتوسيط أهل الصلاح والخير لإقناعهم، وبيان غلط ما هم مصممون عليه، وأن هذه العصبية الجاهلية ليست من خلق الإسلام في شيء، ولا هي أيضا من مكارم الأخلاق في شيء.
وإن خشي قطيعتهم له، ولأبنائه: فإثم القطيعة على من قطع، لا على من زوّج ابنته من كفئها، زواجا شرعيا؛ فيبوء القاطعون بإثمهم، وإثم من قطعوهم!!
وإن خافوا منهم أذى ماديا، أو عدوانا عليهم: فلا حرج عليهم في أن يستعينوا بالحكومة، أو بأهل السلطة في مكانهم، ليحموهم منهم، ويدفعوا عنهم غائلتهم.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .