الحمد لله.
أولا :
إذا مات إنسان ، وترك أمًّا ، وإخوة من جهة الأم ، وأختا لأب ، فإن التركة تقسم كالتالي :
للأم السدس ، لقول الله تعالى : (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11 .
وللإخوة من الأم الثلث ، يقسم بينهم بالتساوي ، الذكر مثل الأنثى ، لقول الله تعالى : (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء/12.
وقد أجمع العلماء على أن المراد بذلك الإخوة من الأم.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/78):
"فأما هذه الآية : فأجمع العلماء على أن الإخوة فيها عني بها الإخوة للأم" انتهى.
وللأخت من الأب النصف ، لقول الله تعالى : (إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) النساء/17.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 217) :
" وَلَهُ أُخْتٌ أي: شقيقة، أو لأب، لا لأم، فإنه قد تقدم حكمها" انتهى .
وعلى هذا ؛ فللأم سدس التركة ، وللإخوة من الأم ثلثها ، وللأخت من الأب نصفها .
وهذا التقسيم لا خلاف فيه بين أهل العلم ، لنص الآيات القرآنية عليه صراحة كما سبق .
ثانيا :
إذا كان هذا هو تقسيم التركة ، فكل من يسعى لأكل حق أحد من الورثة أو يعينه على ذلك فهو آثم.
فلا يجوز للأم ، ولا للإخوة من الأم أن ينفردوا بالتركة ، ويحرموا الأخت من الأب حقها ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ) رواه البخاري (1739)، ومسلم (1679).
وأما الشهود ، فشهادتهم بعدم وجود إخوة للميت إلا من جهة الأم شهادة زور ، وهي من أكبر الكبائر.
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ) ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ) ، وكان متكئاً فجلس فقال : ( ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ) ، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت" رواه البخاري ( 5631 )، ومسلم (87).
جاء في " سبل السلام " (2/585) : " وَإِنَّمَا اهْتَمَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ ، وَجَلَسَ ، وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ ، وَكَرَّرَ الْإِخْبَارَ ؛ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ : أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ ، وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ ؛ وَلِأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ ( قول الزور) كَثِيرَةٌ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا ، فَاحْتِيجَ إلَى الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ ، بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ ، فَإِنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ ، بِخِلَافِ قَوْلِ الزُّورِ ، فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيه " انتهى.
وقد توعد الله تعالى من يخالف قسمته في المواريث بوعيد شديد ، فقال عز وجل بعد أن ذكر آيتين من آيات المواريث في سورة النساء : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13- 14.
فالواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله تعالى ، ويؤدوا الحق لأهله .
والله أعلم.