الحمد لله.
أصل هذا الخبر صحيح رواه الإمام مسلم (1028) عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وقد وردت رواية لهذا الخبر فيها تفصيل لكيفية فعل أبي بكر رضي الله عنه لهذه الخصال.
كما عند البزار في "المسند" (6/232)، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: (مَنْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنْكُمْ صَائِمًا؟) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا نَوَيْتُ مِنَ الْبَارِحَةِ فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَقَالً: (مَنْ تَصَدَّقَ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ؟)
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا؛ تَطَرَّقَ مِسْكِينٌ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا كِسْرَةٌ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَأَعْطَيْتُهُ، فَقَالَ: (أَيُّكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا، قِيلَ لِي إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ عَوْفٍ مَرِيضٌ فَذَهَبْتُ فَعُدْتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي يَوْمٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وبنفس إسناد البزار رواه ابن أبي عاصم، وفيه اعتذار عمر رضي الله عنه عن عدم فعله لهذه الخصال.
فروى ابن أبي عاصم في "السنة" (2 / 579): حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَصْبَحَ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُحَدِّثْ نَفْسِي بِالصَّوْمِ، فَأَصْبَحْتُ مُفْطِرًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَكِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي بِالصَّوْمِ الْبَارِحَةَ، فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ، فَكَيْفَ نَعُودُ الْمَرْضَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ شَاكٍ، فَجَعَلْتُ طَرِيقِي عَلَيْهِ حِينَ خَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَصَدَّقَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ؟) فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ، فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزِ شَعِيرٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ؛ فَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ).
فَتَنَفَّسَ عُمَرُ وَقَالَ: أَوَّهْ أَوَّهْ أَوَّهْ لِلْجَنَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً رَضِيَ بِهَا عُمَرُ".
وهذا الخبر إنما ورد مسندا متصلا من طريق بشر بن آدم.
قال أبو بكر البزار رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرّحمن بن أبي بكر إلّا بهذا الإسناد، وإنّما يرويه غير عبد اللّه بن بكر، عن مبارك، عن ثابت، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى مرسلا، ولم نسمعه متّصلا إلّا من بشر بن آدم، عن عبد اللّه بن بكر " انتهى. "المسند" (6 / 233).
وبشر بن آدم البصري: متكلّم في ضبطه.
لخّص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله:
" بِشْر بن آدم بن يزيد البصريّ، أبو عبد الرحمن ابن بنت أزهر السّمّان: صدوق فيه لِين " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 122).
ثم هذا الإسناد مداره على مبارك بن فضالة، وهو وإن وثّق؛ إلا أنه موصوف بالتدليس، ولم يصرح بالتحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" المبارك بن فضالة عن الحسن وغيره، ضعفه أحمد والنسائي، وقال أبو زرعة: يدلس. وقال أبو داود، وأبو حاتم: إذا قال حدثنا فهو ثقة " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 540).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"مبارك ابن فَضالة، أبو فضالة البصري: صدوق يدلس ويسوي " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص519).
والخلاصة:
أن أصل الخبر ثابت عند الإمام مسلم.
وأما ما ورد من تفاصيل صفة فعل أبي بكر لهذه الخصال، وما نسب لعمر رضي الله عنه من أجوبة عند كل سؤال، وما ذكر من أن هذه الواقعة كانت بعد "صلاة الصبح"، تحديدا: فهذه الزيادات إسنادها ليس بصحيح.
ثم؛ لا علاقة لهذه الواقعة بما ذكر في السؤال، من أن هذا "تفتيش مفاجئ" من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنما مراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: دلالة أصحابه على عظم قدر هذه الخصال المذكورة من الخير، وأنها لو اجتمعت في كانت أعظم وأجل لمقامه، حتى وعد بهذه العِدَة العظيمة، التي هي غاية مطلوب العاملين والساعين إلى ربهم.
والله أعلم.