نحن شركة تعمل في تصنيع إسدالات الصلاة للنساء وإزارات الصلاة للرجال، فهل يجوز أن يكون بها نسبة 5 % من الحرير، حيث تستخدم هذه الملابس أثناء السفر ونزول الماء، حيث المنتج 95 % قطن، و5 % حرير لتقليل امتصاص الملابس للماء؟
الحمد لله.
أولا:
يحرم على الرجل لبس الحرير؛ لما روى البخاري (5633)، ومسلم (2067) عن حُذَيْفَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ.
وروى أبو داود (4057)، والنسائي (5144)، وابن ماجه (3595) عن عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” أنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي.
وروى أحمد (6556) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَبِسَ الذَّهَبَ مِنْ أُمَّتِي فَمَاتَ وَهُوَ يَلْبَسُهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَهَبَ الْجَنَّةِ وَمَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ مِنْ أُمَّتِي فَمَاتَ وَهُوَ يَلْبَسُهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرِيرَ الْجَنَّةِ وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
والمقصود بهذا: الحرير الطبيعي، لا الصناعي، كما بينا في جواب السؤال رقم: (30812).
ثانيا:
ما نسج من الحرير وغيره، فالحكم فيه للأغلب، فإذا كان الأغلب القطن مثلا، جاز؛ لما روى أبو داود (4055) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنَ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنَ الْحَرِيرِ، وَسَدَى الثَّوْبِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ” قال الألباني: صحيح دون قوله: “فأما العلم”.
قال في “عون المعبود” (11/ 70): ” (عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ) هُوَ الَّذِي جَمِيعُهُ حَرِيرٌ، لَا يُخَالِطُهُ قُطْنٌ وَلَا غَيْرُهُ. قاله ابن رَسْلَانَ.
(وَسَدَى الثَّوْبِ) هُوَ خِلَافُ اللُّحْمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُنْسَجُ مِنَ الْعَرْضِ، وَذَاكَ مِنَ الطُّولِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ السَّدَى مِنَ الْحَرِيرِ، وَاللُّحْمَةُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ: (فَلَا بَأْسَ)؛ لِأَنَّ تَمَامَ الثَّوْبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِلُحْمَتِهِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ، إِذَا كَانَ غَيْرَ الْحَرِيرِ الْأَغْلَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ…
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لُبْسُ الْخَزِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَصَحُّ فِي تَفْسِيرِ الْخَزِّ أَنَّهُ ثِيَابٌ سَدَاهَا مِنْ حَرِيرٍ وَلُحْمَتُهَا مِنْ غَيْرِهِ…” انتهى.
وينظر: “فتح الباري” (10/ 294).
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” فأما المنسوج من الحرير وغيره، كثوب منسوج من قطن وإبريسم، أو قطن وكتان، فالحكم للأغلب منهما؛ لأن الأول مستهلك فيه، فهو كالبيضة من الفضة، والعلَم من الحرير. وقد روي عن ابن عباس قال: «إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير، وأما العلم، وسَدى الثوب، فليس به بأس» رواه الأثرم بإسناده، وأبو داود. قال ابن عبد البر: مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم: الحرير الصافي، الذي لا يخالطه غيره، فإن كان الأقل الحرير فهو مباح، وإن كان القطن فهو محرم، فإن استويا ففي تحريمه وإباحته وجهان، وهذا مذهب الشافعي” انتهى من “المغني” (1/ 422).
وقال النووي رحمه الله: “الصحيح المشهور، وبه قطع العراقيون وجمهور الخراسانيين: أن الاعتبار بالوزن، فإن كان الحرير أقل وزنا حل، وإن كان أكثر حرم، وإن استويا فوجهان: (الصحيح) منهما عند المصنف وجمهور الأصحاب: الحل؛ لأن الشرع إنما حرم ثوب الحرير، وهذا ليس بحرير” انتهى من “المجموع” (4/ 438).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” والحاصل: أن المحرَّم هو الحريرُ الخالص، أو الذي أكثره الحرير، وأما ما أكثره غير الحريرُ فحلال، وأما ما تساوى فيه الحرير وغيره فمحلُّ خلاف” انتهى من “الشرح الممتع” (2/ 214).
وعليه؛ فلا حرج في صناعة إزار للرجل به 5% من الحرير و95% من القطن؛ لأن الغالب هو غير الحرير.
والله أعلم.